احتفلنا اليوم بيوم العلم و هو ذكرى وفاة الشيخ العلامة عبد الحميد بن باديس رائد النهضة الجزائرية و مؤسس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان لها الدور الكبير في حماية الشخصية الجزائرية من حملات السلخ و التشويه و التزييف التي مارسها المحتل الفرنسي بغية محو أي مقاومة لوجوده، مستعملا شتى الطرق المتاحة بين يديه من قوة القهر بالسلاح و النار إلى غسل الأدمغة بالإعلام و المناهج المدرسية بعدما حرم الجزائريين من تعلم دينهم و لغتهم و تاريخهم كما تفعل الشعوب الحرة، و فرض عليهم تعليما انتقائيا و كاذبا و مليئا بالعقبات حتى لا تكون هناك نخبة حقيقية تفكر و تقود البقية بما يهدد مصلحة الظالم و لو بعد حين.
فانبرى الشيخ بن باديس و إخوانه من العلماء و المصلحين إلى إحياء التعليم في الجزائر بتنشيط الدروس المسجدية و تأسيس المدارس و المعاهد و النوادي التعليمية و تشجيع الجزائريين على حضور الدروس سواء كانوا رجالا أو نساء أو أطفالا...فلم يهملوا أي شريحة ؛ و جاهدوا بما استطاعوا بوقتهم و صحتهم و أموالهم طيلة سنوات صعبة، و كان لهم الفضل بعد الله تعالى في المساهمة في تهيئة جيل الثورة التحريرية المباركة التي أثمرت استقلال الجزائر بعد أكثر من قرن من العذاب و المقاومة؛ بعدما رفعوا شعار ( الإسلام ديننا ، و العربية لغتنا ، و الجزائر وطننا) و عملوا على تمتين أواصر الأخوة و الوحدة الوطنية بين الجزاريين أمام محاولات التفرقة التي عمل المحتل لتحقيقها بناء على شعاره ( فرق تسد) فردوا عليه بأن الذي يوحد الجزائريين هو دين الله تعالى، و بأن ما جمعته يد الله لا تفرقه يد الشيطان.
و تصادف أن نحتفل بهذه الذكرى هذا العام و نحن في شهر رمضان الكريم ، شهر القرآن الذي كانت أول آية نزلت منه هي "اقرأ" في قوله تعالى " اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق، اقرأ و ربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم" سورة العلق الآيات من 1 إلى 5
فدلت الآيات بوضوح منقطع النظير على أهمية العلم و التعلم في نهضة و بناء الأمة باستخدام كل ما هو متاح من وسائل ، والتي كانت في الماضي القلم و تطورت اليوم إلى ثورة علمية و تكنولوجية تتيح الوصول لأي معلومة بكبسة زر، و تسمح بالقيام بالبحث و التطوير في مختلف المجالات بشكل أيسر و أسرع و أكثر مردودية.
إذن طريق النهضة واضح المعالم ، يبدأ من التعليم ، و ينتهي بالازدهار؛ على شرط أن تكون منطلقاته أصيلة و مبنية على قيم المجتمع، و أدواته عصرية و مستعملة بعقلانية، و طريقته علمية متدرجة متناسبة مع المراحل السنية المتلاحقة و ملبية للاحتياجات الحقيقية للدولة و المجتمع.
رحم الله تعالى عبد الحميد بن باديس و إخوانه ممن أبلوا البلاء الحسن في ميدان المقاومة الفكرية و العلمية، و جزاهم عنا خير الجزاء؛ و المجد و الخلود و الرحمة لشهداء أمتنا المجيدة، من شهداء غزوة بدر إلى شهداء ثورة نوفمبر المظفرة.
و إنا على عهدهم باقون ، و على الجزائر محافظون
و إلى لقاء آخر بحول الله