رمضان يربينا وينمينا (15)

غزوة بدر الكبرى

غزوة بدر الكبرى
رمضانيات
من أهم أحداث التاريخ الإسلامي وخصوصا في شهر رمضان تأتي غزوة بدر الكبرى كعلامة فارقة في بناء دولة الإسلام الناشئة إذ سماها القرآن الكريم "يوم الفرقان يوم التقى الجمعان "حيث تقابل جيش صغير للمسلمين بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم مع جيش الكفار الذي يفوقه عددا وعدة بثلاثة أضعاف وبقيادة صناديد قريش آنذاك. وقعت المعركة في اليوم السابع عشر من رمضان، السنة الثانية للهجرة، في بدر وهي منطقة عبور للقوافل التجارية المتجهة للشام والعائدة منه؛ فكانت قافلة لكفار قريش يقودها أبو سفيان هي هدف المسلمين الذين خرجوا من المدينة لاعتراضها بغية استرداد بعض ما سلبه المشركون من المهاجرين في سبيل الله. هؤلاء المسلمون الذين تركوا أموالهم وديارهم وأحباءهم تحت ضغط البغي والاعتداءات التي طالتهم في مكة طيلة سنوات الإسلام الأولى؛ فهاجروا منها نحو المدينة، موطنهم الجديد بحثا عن الأمان وليبنوا دولتهم الجديدة القائمة على العدالة. واستمر المشركون في مصادرة واغتصاب ما تركوه وراءهم من ممتلكات دون اعتبار لحق أو أخلاق. لم تكن المعركة إذن مخططا لها، وليس في بال المسلمين أنهم سيواجهون جيشا كبيرا؛ لذا لم يخرج عدد معتبر منهم بسبب سرعة النداء والتحرك حتى لا تفوتهم القافلة وهي تمر بآبار بدر. فقد خرج ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً فقط من المهاجرين والأنصار، لم يكن منهم إلا فارسان، وسبعون بعيًرا يتعاقبون على ركوبها. ولما علم أبو سفيان بخروج المسلمين لاعتراض القافلة، غير طريقه وسلك طريق الساحل، وأرسل لاستنفار أهل مكة، فقامت قريش للخروج ، وحشدت كل طاقتها، لأنها رأت في ذلك تهديدا لاقتصادها وحطًا لمكانتها وكرامتها، وبلغ عددهم قرابة ألف مقاتل، منهم مائتا فارس. و حتى لما علموا بنجاة القافلة ، أصر كبراؤهم على مواصلة المسير و استغلال الفرصة للقضاء على هذا الدين الجديد و أهله نهائيا. أراد المسلمون أمرا و أراد الله أمرا آخر، فأعطى المسلمين درسا عمليا في قدرته تعالى على النصر رغم الضعف و قلة العدد و العتاد؛ و أعطى درسا لقريش بأن الظلم لا يدوم و أن التجبر على الضعفاء و نكران الناس حقوقهم سيعود على صاحبه بالوبال و الخسران و لو بعد حين. بينت المعركة حنكة الرسول صلى الله عليه و سلم و مهاراته القيادية العسكرية و استشارته لأصحابه في كبريات الأمور قبل اتخاذ القرار، كما أظهرت مرونته و إصغاءه لملاحظات و اقتراحات جنوده التي لم يجد حرجا في الاستفادة منها لزيادة فرص النجاح، ما يجعل الجيش متكاتفا و متعاونا بشكل أكبر. كان هذا النصر مؤذنا بميلاد القوة الإسلامية الصاعدة و جلب لها انتباه القبائل المحيطة واحترامها فبدأت تحسب لمحمد صلى الله عليه و سلم ودعوته ألف حساب. وكأول انتصار عسكري، لم يعامل المسلمون المنتصرون أسراهم بما كان متوقعا من انتقام و سوء معاملة ؛ بل كانوا معهم في قمة الرقي و الرفعة، حتى قبلوا ممن لا يستطيع دفع الفدية بان يفتدي نفسه بتعليم القراءة و الكتابة لمن لا يعلمها من المسلمين، و في هذا ما فيه من الدلالة على أهمية العلم و أدواته لدينا منذ بداية التنزيل، و لا مستقبل لنا إلا بالعودة لتلك القيم و الأبجديات. و لا تزال غزوة بدر إلى اليوم مصدرا للعبرة و الإلهام و التحفيز لأجيال المسلمين الذين سادوا الدنيا ردحا من الزمن ثم دارت بهم الدوائر بعدما تخلفوا عن دينهم و عن دورهم الريادي في العلم و الحضارة ؛ لكنهم على موعد مع نهضة أخرى آتية و أكيدة على يد أيادي متعلمة متوضئة و متقنة. وفقنا الله جميعا لما فيه خير وصلاح بلادنا وأمتنا و إلى موضوع آخر بحول الله

يرجى كتابة : تعليقك