من أهم الأوقات في يوم رمضان هو الفترة الأخيرة قبل الغروب والإفطار؛ فهناك فرق بين من يختم يومه ذاكرا، قارئا، متدبرا، داعيا ومتبتلا بين يدي الله تعالى، وبين من يختمه نائما ينتظر الأذان، أو لاهيا مع البرامج التلفزيونية، أو مع لعبة ما.
قد نستثني المرأة مبدئيا من هذا التصنيف بحكم واجباتها المنزلية التي لا تنتهي، خصوصا إن كانت عاملة؛ لكن هذا لا يمنع أن منهن من تكون في المطبخ وهي متعبدة بنيتها الطيبة في خدمة أهلها الصائمين أو في استماع لما يفيد أو في ذكر ودعاء.
وكذلك الحال بالنسبة لشهر رمضان لفضيل، فأثمن أيامه خواتيمه والعشر الأواخر منه، والتي ورد في شأنها الآيات والأحاديث الكثيرة التي تحث على الاستزادة من العبادة والنشاط في طاعة الله خلالها.
ويكفي هذه الأيام شرفا أن نتحرى فيها ليلة القدر المباركة، طمعا في ثواب يعادل الألف شهر مصداقا لقوله تعالى (ليلة القدر خير من ألف شهر) القدر آية 3.
ومما يؤسف له، رغم هذا الفضل كله أننا نلاحظ ملاحظتين محزنتين ومحيرتين في نفس الوقت.
الملاحظة الأولى: هي انحسار صفوف المصلين في المساجد وخصوصا في صلاة التراويح عكس ما كان في الأيام الأولى من رمضان حيث يظهر الإقبال الشديد على الصلوات والاكتظاظ بمناسبة العودة إلى الله والتوبة والإنابة.
وكأن القوم بعد ثلثي الشهر قد تعبوا من الوقوف بين يدي الله تعالى، أو اكتفوا من الحسنات، أو بدت لهم أولويات أخرى مع قرب نهاية رمضان ومجيء العيد
والملاحظة الثانية: هي أن الإقبال يتضاعف على الأسواق والمحلات أضعافا كثيرة طيلة النهار ولساعات متأخرة من الليل، وخصوصا محلات الملابس وتلك المعنية بالحلويات ومستلزماتها؛ فلا شغل للناس تلك الأيام إلا الاستعداد لعيد الفطر باللباس الجديد وحلويات العيد.
ويستمر هذا لآخر لحظة، ويتكرر كل عام. وقد حدث منذ سنوات أني أردت شراء شيء صبيحة يوم ثلاثين رمضان من المدينة الجديدة، وقلت في نفسي أنني سأجد السوق فارغا من الناس، فالكل قضى احتياجاته قبل ليلة الشك بالتأكيد؛ لكني تفاجأت أن المنظر كان يشبه كما لو ان كل المدينة هنا، وكأن احدا لم يشتر شيئا من قبل!!!
إنها عادة التسويف، وعدم التخطيط الجيد للأمور، رغم العلم المسبق بالتواريخ والمناسبات وطبيعة الاحتياجات المعتادة.
قد يكون للبعض عذر لعدم توفر المبالغ الكافية من المال من قبل، نظرا للفقر أو الدخل المحدود أو كثرة الديون والمصاريف المتلاحقة؛ فيكون منتظرا توفر السيولة في كل مرة، ما يجعله يقضي في آخر لحظة.
لكن في كل الأحوال ستكون الأسعار أغلى بكثير كلما تأخرنا في الشراء؛ لذلك تعمد الكثير من العائلات إلى الانتهاء من كل مشترياتها قبل رمضان بعدة أسابيع، وتتفرغ للعبادة أثناءه بشكل أفضل.
لذلك كله فالنصيحة الغالية هي أن يحاول المسلم إدارة وقته بشكل متوازن حتى يتمكن من تلبية احتياجاته وتحضيراته دون أن يؤدي ذلك إلى التقصير في القربات والطاعات، مع تحري ليلة القدر في الليالي الوترية من العشرة الأخيرة لرمضان، عسى الله تعالى أن يجعلنا ممن ينال أجرها وثوابها.