لطالما كانت ولا تزال العلاقات الأخوية القوية التي تجمع بين الشعبين الفلسطيني والجزائري، محط أنظار العالم وموضوعا للنقاش بالبلاطوهات، قصد تفكيك الشفرة، وكشف سرّ هذا الحب الطاهر بين من فرقتهم المسافات وجوازات السفر وجمعهم التاريخ و المواقف، و لعل ما لا يعرفه البعض هو أن الحب الخالص الذي يكنه الشعب الجزائري للقضية و للشعب الفلسطيني هو حب فطري متوارث، وليس وليد اللحظة، فالتاريخ لا يظلم أحد ولا يُنسي شيئا، فالجزائر هي التوأم لفلسطين والقلب النابض بكل مظاهر النضال، وكما قال الزعيم الراحل ياسر عرفات يوما " إن الجزائر لا تحتاج لأن تكتب التاريخ، لأن التاريخ هو الذي كتبها بأحرف من ذهب، نقشت بذاكرة جميع الشعوب المحتلة". وتبقى الجزائر بنضالها وشموخها وعزّتها مثالا حيا لكل شعوب العالم، لكسر قيود الاستعباد والتحرر مهما كان الثمن غاليا، ولعل معاناة الجزائريين إبان الثورة التحريرية من ويلات الاستعمار هي التي جعلت الشعب الجزائري أكثر الشعوب التي شعرت بمرارة ما يمر به الفلسطينيون، فرغم البعد الجغرافي والاختلاف الثقافي إلا أن فلسطين والجزائر جسدان بقلب واحد. ولعل أهم مظاهر التآخي و الحب بين الشعبين هو ذلك التعاطف والتضامن والمناصرة من كلا الطرفين، خاصة من قبل الجزائر حكومة و شعبا، لاسيما بعد سياسة التقتيل الهمجي من قبل الكيان الصهيوني الغاشم ضد شعب أعزل لا حول له ولا قوة أمام مرأى ومسمع العالم الذي يقف وقفة المتفرج، لكن الجزائر وبالرغم من بُعد المسافة بينها وبين فلسطين المحتلة، إلا أنها أصرّت على تقديم الدعم الدائم بكل أشكاله للفلسطينيين بالأراضي المحتلة، خاصة الدعم المعنوي من خلال تعليق كل النشاطات الثقافية ومظاهر الاحتفال منذ بدء القصف الإسرائيلي على غزة شهر أكتوبر المنصرم، تضامنا مع من قُتلوا و شُرّدوا وهُجّروا ولم يجدوا من يكفكف دموعهم ويمسح على رؤوسهم لإشعارهم بالأمان، ولأن الجزائر أكثر من يعرف معنى الظلم والاستبداد ومعنى أن تقف وحيدا بين ذئاب تنهش جسدك وتستنزف قوتك، ولأن القتلى كانوا في غزة والألم في بلاد الشهداء ، ارتدت الجزائر ثوب العزاء وتوشحت الأسود حزنا على فلسطين الجريحة التي تنزف كل يوم دون أن تجد من يساعدها، فأُعلن الحداد وألغيت بعض المهرجانات و الاحتفالات تضامنا مع أهل غزة ونُظمت أخرى تضامنا معهم ، حيث كيّفت الوزارة مضمون بعض المهرجانات والتظاهرات التي غيرت من برامجها لتهتم بالفن والمقاومة والثقافة والقضية الفلسطينية دعما للشعب الفلسطيني لإسماع صوته إلى العالم وفضح العدوان والتنديد بالحصار المفروض على غزة واستنكار سياسة التقتيل والتجويع التي يمارسها الاحتلال الغاشم في القطاع.