يعرف الحقل الدولي عدة متغيرات جراء المستجدات الواقعة عبر مختلف ربوع المعمورة في مقدمتها الحروب الساخنة الناشبة في عدة نقاط وتداعياتها على التكتلات الدولية في مقدمتها تكتل دول جنوب – جنوب، وفي ظل هذه التحولات القطبية تعمل الجزائر على تعزيز مكانتها على جميع الأصعدة، ولتفاصيل أكثر تقدم الينا البروفيسور مشاور صيفي (أستاذ في العلاقات دولية واستراتيجية – جامعة أدرار-الجزائر) بهذا المقال ، قائلا: "تعيش الجزائر في محيط دولي واقليمي جد مضطرب، يحتم عليها التأسيس لمقاربات مستندة على تصورات جيو-استراتيجية، للتصدي لهذه التحديات التي باتت أكثر من أي وقت مضى تحديات ومخاطر بارزة تحتاج منا رص الجهود من أجل مجابهتها ... خاصة وأن الجزائر تمتلك من القدرات والامكانيات ما يؤهلها لربح وتجاوز هذه المخاطر والتحديات.
لقد كانت التحولات الدولية الراهنة اختبارا حقيقيا، لفحص جاهزية الجزائر في جميع المجالات والمستويات لمواجهة التحديات التي طرحتها مرحلة ما بعد الحرب الباردة، والتي أعادت صياغة طبيعة التحالفات وعلاقات القوة، والفواعل الدولية من غير الدولة .... وأفصحت بشكل غير مسبوق عن ضرورة وحتمية التوجه إلى عالم متعدد الأقطاب، بعدما هيمنت القطبية الأحادية لفترة ناهزت الثلاث عقود.
في ظل هذه السياقات تسعى الجزائر في إطار رؤيتها الجديدة لتجاوز تحديات الراهن وربح معركة المستقبل، وكسب رهان المكانة والدور، ولعب دور محوري في الفضاءات الاقليمية والدولية، من خلال التأسيس لتصور جزائري قوي مؤثر في كثير من القضايا، والتي أصبحت كثير من الدول ترى في الجزائر رقما مهما في بناء تصورات استراتيجية لا يمكن تجاوزها للتأسيس لعالم جديد، متعدد الأقطاب بعيدا عن الهيمنة الأحادية؛ وهذا التصور بات يلتف حوله عديد من الدول خاصة دول الجنوب، التي عانت بشكل كبير من الأحادية القطبية، وأصبحت ترى بضرورة بناء أطر تعاون قوية جنوب –جنوب.
إن القدرات الجزائرية القوية تضعها في مكانة؛ تستطيع استغلالها لتحقيق دور مهم على جميع المستويات، ويمكن تلخيص ذلك في النقاط التالية:
العمق الاستراتيجي: تحتل الجزائر موقعا جيو-استراتيجيا مهما جدا، يمكن استغلاله لتحقيق أهداف استراتيجية، فالعمق الاستراتيجي للجزائر كفيل بتحقيق عديد من أهداف السياسة الخارجية، والسياسات العليا للدولة، وعليه يجب استغلاله الاستغلال الأمثل من أجل تحقيق الأهداف السالفة الذكر.
المقدرات الاقتصادية: تمتلك الجزائر قدرات اقتصادية متنوعة وكبيرة، فبالإضافة إلى الثروات الطبيعية المتنوعة (البترول، الغاز، الذهب، الطاقات المتجددة......)، فهي تؤسس من خلال تصورات -الجزائر الجديدة-إلى بناء اقتصاد قوي خارج قطاع المحروقات، يكون له دور كبير في زيادة النمو وتقليص نسبة التضخم، بزيادة الانتاج وتقليص فاتورة الاستيراد، فبحسب تقارير عرفت الجزائر في الأربع سنوات الأخيرة حركية اقتصادية غير معهودة، كان لها دور كبير في تحسين القدرة الشرائية للمواطن من خلال اقرار سياسات جديدة، كمنحة البطالة بالنسبة للشباب البطال، رفع الأجر القاعدي الأدنى المضمون .... الخ.
المواقف السياسية الثابتة: يعرف على السياسة الخارجية الجزائرية العبقرية والثبات في المواقف، وهو من بين المسائل التي أكسبها هيبة ومكانة دولية محترمة جدا، كموقفها من القضية الفلسطينية، وقضية الصحراء الغربية .... وينبع هذا التوجه من مبادئها التي بنت عليها تصوراتها الاستراتيجية في السياسة الخارجية؛ وهي مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومناصرة القضايا العادلة، وهي مبادئ تبتث عليها الجزائر في رسم وهندسة تصورات سياستها الخارجية، رغم تعارضهما مع مفهومي القوة والمصلحة، بحسب تصورات المدرسة الواقعية، فهذه الصفات التي ميزت الجزائر، ستؤهلها للعب دور مهم جدا في تصورات بناء علاقات قوية جنوب -جنوب بعيدة عن الأحادية القطبية.
التركيز على معركة بناء الوعي الوطني لمجابهة تحديات حروب الجيل الخامس: تركز حروب الجيل الخامس على أساليب تفجير الأوطان من الداخل عن طريق إثارة كثير من الفتن والمشاكل سواء داخليا، أو العابرة للحدود، كالإرهاب العابر للحدود، الجريمة المنظمة، الاتجار بالبشر، المخدرات العابرة للحدود، الهجرة الغير شرعية.... والتي تستخدم الفضاء السيبراني كأداة لتحقيق أهدافها، من خلال مختلف المواقع، خاصة مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبحت أداة في يد الآخر للترويج لهذه المسائل، وهو ما يجعل الجزائر أمام تهديدات جديدة، تستغل الفضاء السيبراني لتحقيق أهدافها، وعلى اعتبار الجزائر تعيش في محيط جد مضطرب، بات لزاما علينا التأسيس إلى مقاربات كفيلة بالتصدي لمختلف هذه التهديدات.
ويبدو جليا إدراك الجزائر لخطورة هذه التهديدات لذلك راحت للتأسيس لمقاربة قوية قائمة بالأساس على بناء الوعي الوطني بهذه المخاطر من أجل التصدي لها.
ويكون للإعلام الدور القوي في ربح رهان هذه المعركة من خلال تنوير الرأي العام بخطرة هذه التهديدات.
وفي هذا السياق تسعى الجزائر إلى استغلال الفضاء السيبراني للدفاع عن مواقفها وتوجهاتها والتسويق لتوجهاتها الاستراتيجية داخليا وخارجيا، من خلال صد الشائعات والتصدي لها، وإبراز الحقيقة، واستخدام الدبلوماسية العامة للتسويق لمكانة الجزائر وإعطاء صورة جيدة عنها، وهو ما أهلها لأن تحظى باحترام كبير في المحافل الدولية، وسيؤهلها للعب دور محوري للتأسيس لمستقبل العلاقات الترابطية جنوب – جنوب القوية".