يمتاز شهر رمضان الفضيل بأنّه الشهر الذي جاء لتهذيب النفس، وقهر الشيطان فهو يضيق مجاري قوته بالإمتناع عن الطعام، والشراب ،والشهوات. ويقوي فيه النفس على العزيمة في الصبر، والسماحة، والعفو والسخاء .
فهو بذلك واحة النفوس المسلمة تفيء إليها بعد رحلة تدوم أحد عشر شهراً في صحراء مشاكل الإنسان الحياتية، التي لا نهاية لها، إلا بموته ،والتي لو استمر معها المسلم طوال العام لكان لها تأثيرها السيئ على نفسه ، وعلى سلوكه، وعلى شخصيته بصفة عامة .
[قوا أنفسكم وأهليكم نارا. ]
إن الله عز وجل يأمرنا يوقاية أنفسنا وأهلينا فيقول لنا في محكم تنزيله : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ } سورة التحريم الآية6.
إننا لا زلنا في مدرسة الصيام شهر القرآن نسعى من خلال آيات الكتاب العزيز إلى الوقوف عند أسقام النفس وأمراضها المختلفة وما ترشدنا إليه آيات القرآن من دواء تافع لصيانة هذه النفس ووقايتها من كل ما يؤذيها فيهلكها .
وإن هذه الآية المباركة التي بين ايدينا لها شأن عظيم، وتمامها قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .} فالله سبحانه من خلالها يأمر المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم عذاب النار، شفقة عليهم وحبا فيهم ورحمة بهم ، وإن كان جميع الناس مأمورين بوقاية أنفسهم وأهليهم من عذاب النار ، لكن المؤمنين لهم خصوصية؛ لأنهم أعلم الناس بالله، وأدراهم بحقه عليهم، وأحرصهم على رعاية حدوده، فلهذا تراه يخاطب المؤمنين كثيرًا بأحب صفة إليه فيهم، يناديهم ليلفت انتباههم ، ثم يأمرهم مرة بالتقوى وإصلاح مقالهم ، فيقول لهم سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } سورة الأحزاب الآية 70 ، ومرة أخرى يذكرهم بضرورة الثبات على التقوى فيقول عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ } سورة آل عمران الآية 102، ثم ها هو يعيد النداء في آية أخرى يدعو عباده المؤمنين إلى الدوام على الصدق والتزام أهله فيقول عز من قائل :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} سورة التوبة الآية 119. ونداءات أخرى كثيرة كلها تعسى بالمؤمنين إلى رحاب طاعة رب العالمين والدوام عليها . ومرة يخص بالنداء أهل الكتاب يحذرهم من النكوص على أعقابهم من خلال التلبيس على الناس بخلط الحق بالباطل ، والإيمان بالكفر ، فيقول تعالى : {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ }سورة آل عمران الآية 71.
وفي مواضع أخرى ينادي العباد أجمعين ، لتزكية أنفسهم وتطهيرها وإقامتها على الصراط المستقيم، فيوجه أمره للناس يناديهم ؛ لأن الناس كلهم خلقوا ليعبدوا الله، وليمتثلوا أمره، وليبادروا بتوحيده، وليحذروا عذابه، فيقول سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا } سورة النساء الآية 1 . فهذا نداء عام للكفار وللمنافقين والمسلمين جميعًا، ولكل نفس ، فالنفس واحدة هي من عهد أبينا آدم، الذي خلقه الله من التراب،ونفخ فيه من روحه ، وخلق منها زوجها -زوجته حواء- خلقت منه، وهذا من آيات الله فهو تعالى على كل شيء قدير.
إن القرآن يأمر الناس جميعًا أن يتقوا الله، ثم أن الكافر من تقوى الله أن يدخل في الدين ويوحد رب العالمين ، وأن يعتنق الإسلام، ويستقيم عليه، والمؤمن من تقوى الله أن يلزم التقوى ويستقيم عليها ويثبت عليها حتى الموت. ومن الواجب أن نعلم أن كل أمر وكل نهي جاء به القرآن الكريم ، من خلال نداءاته المختلفة والمتكررة ، فالهدف من ورائه إلزام هذه النفس البشرية بتوحيد الله تعالى ، وبطاعته ، وبضرورة صلاحها والتزامها بالإيمان وتقوى الرحمن. فاللهم أجعلنا جميعا من المتقين آمين.