تخرج العائلة الجزائرية عن المألوف وتبتعد ولو لفترة وجيزة وبخطوات متسارعة عن قيود وعادات وتقاليد مجتمعها، وتتعدى ضوابط "كبيرها" وما يفرضه عليها من التزامات وأحكام في المناسبات واللّمات الخاصة، وتختار أن تكون "البوز" والاستثناء في رمضان وتصنع "قعدة" محدودة الأفراد بصالات المطاعم والمؤسسات الفندقية .
خارج أسوار البيت العائلي وبعيدا عن المطبخ والبرنامج اليومي المثقل بالواجبات المنزلية، ومتاهة البحث عن الأطباق المميّزة تّطلّق ربة البيت ولو مرة واحدة في الموسم تلك الأجواء المشحونة وتقبل عرض عائلتها لتناول وجبة الإفطار بالخارج وبمكان خاص تكون فيه الملكة لبعض الوقت وتعيش أوقاتا مميزة حول مائدة المطعم وبين الأطباق التقليدية والعصرية المختارة.
في سنوات مضت لم تكن المؤسسات المطعمية مفتوحة في شهر رمضان الفضيل، ولم يكن نشاطها حاضرا ضمن العروض المقدمة من قبل المؤسسات الخدماتية، ولم تكن تحظ بنفس الإقبال المسجل في المدة الأخيرة أمام العزوف المطلق، إلى أن أصبحت هذه الأخيرة ضمن الهياكل الأكثر نشاطا بتسلل عادات دخيلة على يوميات وطقوس الأسرة الجزائرية في المناسبات والأعياد الدينية والعائلية. فالاهتمام المتواصل ب"البريستيج" والانجذاب نحو كل ما هو جديد وغير العادي سهّل المهمة على المطاعم، وفتح لها باب الرزق في مواسم سابقة كانت توصد أبوابها لمدّة تزيد عن الشهر عجّل بظهورها ممارسات لم تدرج سابقا في سجّل العادات والتقاليد وشجع أصحابها على التنقيب والبحث عن السبل والطرق التي تستقطب فيها زبائنها وتسترد شهرتها على مدار السنة دون أي قيد أو شرط ، عن طريق تجارب جديدة تحولت في ظرف ال3 سنوات الأخيرة إلى مهمة رسمية عنوانها التكفل بخدمة العائلات في رمضان. ليست ظاهرة غريبة أو فريدة من نوعها، بل هي واقع يتكرر كلما حلّ رمضان وبالتحديد بمرور الأسبوع الأول من الشهر الكريم تطغى عليها الحركية والأجواء المفعمة بالحماس والحيوية قبل الإفطار ، و تدفع العائلات لخوض هذه الرحلة بأسعار متفاوتة حسب العرض والقدرة الشرائية لكل زبون .
وبشكل ترويجي وتسويقي خاص تتفاوت خدمات هذه المؤسسات وتتنوع من حيث الأطباق والأسعار وطلبات العائلات وتحاول قدر المستطاع أن تكسب ثقتها بمائدة رمضانية لا تختلف عن الوجبات التي تحضّرها ربة البيت وتخصص بالمقابل جناح خاص يتسع لأكلات غير معروفة يكتشفها أو يتذوقها لأول مرة الوافد وله حرية الاختيار بين العرضين .
ولم تُهمل هذه الأخيرة، الأسعار الجانب المهم في هذه العلاقة حتى ترفع من نسبة الإقبال بأثمان تتراوح بين المعقولة والمرتفعة ، حسب مكونات الوجبة المقدمة من 1350الى 3200 دينار ، فيما تّفضل هياكل أخرى تحديد التكلفة ، حسب كل طبق وتترك المجال أوسع للزبون لاستهلاك ما يطيب له بداية من 150 دينارا للحريرة و180 دينارا للبسطيلة و120 دينارا للبوراك و350 للسلطة إلى 600دينار فما فوق بالنسبة للأطباق المتبقية والمبرمجة لكل عملية إفطار، وبهذه الطريقة تكون حواء قد أوصدت باب مطبخها ليوم واحد للاستراحة من زخم الأعباء الملقاة على عاتقها.