الامام الفقيه المصلح محمد بن عبد الكريم المغيلي... رجل دين، سياسي، فقيه وذو حكمة

الامام الفقيه المصلح محمد بن عبد الكريم المغيلي... رجل دين، سياسي، فقيه وذو حكمة
رمضانيات
ولد الامام الفقيه المصلح محمد بن عبد الكريم المغيلي، بحضارة تلمسان سنة 820 هـ (1417م)، حسب ما نقله أحمد بن القاضي في كتاب الوفيات، وهو الأقرب الى الصواب. يتصل نسب الشيخ المغيلي بسيدنا الحسن البسط اين سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، وسيدتنا فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، بشهادة أهل العلم والمعرفة الذين كتبوا حوله وعن نسبه، ومنهم العلامة سيدي محمد بن محمد الانصاري الزجلاوي. بدأ دراسته وتعلمه بتلمسان حاضرة العلم والعلماء، فأخذ عن علماء أجلاء فضلاء حيث حفظ القران الكريم، على يد شيخه العلامة أحمد بن عيسى المغيلي الشهير بالجلاّب، كما أخذ عنه متون الفقه كالرسالة، ومختصر خليل، وابن الحاجب، وبعض كتب ابن يونس، وتتلمذ أيضا على يد الشيخ الحسن بن مخلوف أبركان،والشيخ أبي العباس الوغليسي، الشيخ عبد الرحمان بن محمد بن مخلوف الثعالبي ، الذي زوجه ابنته زينب ،لينهي دراسته عند الشيخ يحيى بن يدير التدلسي بتمنطيط التواتية. لما أتم الامام المغيلي رحلته في طلب العلم، عاد لمقر اقامته بين أهله بتلمسان، وخلال اشتغاله بالتدريس، كان يتابع أوضاع المدينة الزيانية، فلاحظ التعفن السياسي والنفوذ الاقتصادي اليهودي، وحيال هذا الواقع، غادر تلمسان، متجهاً نحو الصحراء بمنطقة توات حيث يكون بمقدوره القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. نزل الإمام المغيلي بداية بأولاد سعيد من نواحي قورارة، وأنجب أبناءه الثلاثة هناك: عبد الله وعلي وعبد الجبار، وبها دفنت زوجته السيدة زينب، وابنه علي، ليتجه بعد ذلك نحو أولاد يعقوب بتمنطيط في حياة شيخه يحيى بن يدير التدلسي، وخلال تنقله بين واحات توات كان يتابع أوضاعها عن كثب، حيث وجدها مهملة، يقتصر حكمها على شيوخ قبائل قصورها، وقد ظهر فيها فساد ومنكر عظيم، نظرا لتغلب النفوذ الاقتصادي لليهود على أرباب الشوكة والسلطان، الأمر الذي دفع الإمام المغيلي للتدخل، بهدف إلزامهم الخضوع لقواعد أحكام أهل الذمة في ديار الإسلام . تمثل واقعة إحداث كنيسة تمنطيط من بلاد توات مخالفة لأعراف أهل الذمة بين المسلمين، حيث رأى الإمام المغيلي أن يهود توات نقضوا بذلك عهد الذّمة، فألف في ذلك رسالة جواباً عن سؤال من سأله عما يجب على المسلمين من اجتناب الكفار وما يلزم أهل الذمة من الجزية والصغار، وعما عليه أكثر يهود هذا الزمان من التعدي، والطغيان وساجله الشيخ عبد الله العصنوني في فتواه بتقرير الكنيسة، فظهر الحجاج الفقهي في نازلة يهود توات بين الرجلين. يمتلك الإمام المغيلي مشروعا متكاملا قاد به حركة إصلاحية تستهدف تحرير الإنسان أينما كان من كل الولاءات التي تشكّل تهديدا على وجود النفس البشرية أولا ومقومات الدولة ثانيا ومستقبل الأمم والشعوب ثالثا، وربط ذلك كله بأواصر الإيمان وعرى الوطنية لحماية الأمة من التذويب والانمحاء، كما عمل على إرساء دعائم الدولة، وفق أسس ومبادئ، توفر بيئة الحكم الراشد المفضي إلى تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة الاجتماعية. استطاع الإمام المغيلي أن يدخل السياسة من بابها الواسع عندما سجّل اسمه ضمن ثلة من علماء المسلمين، الذين تكلموا في السياسة، مثل ابن تيمية في السياسة الشرعية، والماوردي في (الأحكام السلطانية)، وابن قتيبة في (الإمامة والسياسة)، مسهما في بلورة أفكار وأسس ودعائم بناء الدولة ومرجعياتها ومقومات بقائها. في رحلات الإمام المغيلي إلى إفريقيا، التقى ملوكا وأمراء، وكان لهم موجها ومعينا ومرشدا، ترجم ذلك في لقائه مع الأمير محمد الأسكيا أمير مملكة سنغاي (مالي)، الذي أعانه، وأرشده لتأسيس دولته وتنظيمها، واستتباب الأمن بها، وإقامة العدل وتحقيق الاستقرار في حوار ثنائي، ترجمه الإمام المغيلي في سفر سمّاه: (أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي) كان للشيخ المغيلي دور إصلاحي كبير ببلاد الهوسا، ببلاد التكرور ، واصل الإمام المغيلي دوره السياسي في منطقة أخرى من إفريقيا، عندما انحاز إلى الحاكم محمد رانفا(كانو) من بلاد الهوسا، انحياز الموجّه والمرشد والمعين والغيور على بيضة الإسلام ووحدة المسلمين والحريص على الأخوة وإقامة العدل وسيادة القانون، إذ عزم على وضع ذلك في رسالة قصيرة البناء عظيمة المعنى سماها: (تاج الدين فيما يجب على الملوك والسلاطين) تجلى حرص الإمام المغيلي على إلزامية وجود حاكم شرعي للمسلمين في فترة التسيب التي كان شاهدا عليها في منطقة توات وما لمسه من فشو الجهالة والتناحر والتنازع بين القبائل التواتية على الزعامة من غير استقرار واضح، فما كان من الإمام المغيلي إلا أن قرر التولية على الديار التواتية وجعل من نفسه حاكما يسير الجيوش، ويصدر رسالة (الاستخلاف) لابنه الأمير عبد الجبار الذي استشهد غيلة تنفيذا لدسائس ودوافع سياسية، حاولت إفشال ثورة ومشروع الإمام المغيلي. ومن المفردات التي أدخلت الإمام المغيلي في السياسة نازلة يهود توات، وما حوته من اختلافات، وما أثارته من نقاشات قديما وحديثا، حول حقوق الذّمي، أو ما يسمى اليوم (غير المسلم في المجتمع الإسلامي)، هذه القضية ضمنت له الحضور في النقاشات الحادة التي تشغل بال الإنسان المعاصر مثل العيش المشترك وحوار الأديان والثقافات والحضارات والموقف من الغيرية. لقد عاش الإمام المغيلي حياته ضمن مشروع إصلاحي، يتكئ على مرجعية واضحة المعالم تقيم العدل، وتحقق الاستقرار وتنهض بالأمة. يعد الإمام المغيلي من المفسّرين، الذين مارسوا التفسير تدريساً وبرعوا فيه تأليفاً وكتابة ولعل تفسيره "فاتحة الكتاب" خير دليل على تميزه ورجاحة عقله، فقد كان العلامة ممن امتلكوا أدوات التفسير وآليات التأويل في إظهار معاني القرآن، والتي من أوائلها معرفة معاني الكلمات. كما أن توظيف الإمام المغيلي للشرح اللغوي في تفسيره للقرآن الكريم، دليل واضح على إلمامه بآليات التفسير والمفسر. وفاته ... لما عاد الإمام المغيلي من الرحلة الدعوية والإصلاحية السودانية نزل بواد بوعلي من توات وتقبله البرامكة قبولا حسنا فأسّس مسجده ومدرسته المجاورة له ولزم التدريس والذكر والتأليف، إلى أن وافته المنية به عام 909 هـ. مؤلفاته: 1. البدر المنير في علوم التفسير 2. تفسير سورة الفاتحة .3 مصباح الأرواح في أصول الفلاح 4.شرح على مختصر خليل سماه (مغني النبيل) 5. (إكليل مغني النبيل). 6 . تنبيه الغافلين عن مكر الملبسين بدعوى مقامات العارفين 7. مقدمة في علم العربية. .8 أسئلة الأسقيا وأجوبة المغيلي 9. شرح بيوع الآجال من ابن حاجب .10 مفتاح النظر في علم الحديث 11. مقدمة في المنطق .12 منظومة في المنطق سماها (منح الوهاب).13. ما يجب على الأمير من حسن النية. 14. المفروض في علم الفروض .15 فهرست مروياته.16 جملة مختصرة فيما يجوز للحكام من ردع الناس عن الحرام.

يرجى كتابة : تعليقك