نقضي هذه الأيام من الشهر الفضيل ونحن ندور في فلك الهم الفلسطيني والإنساني، ننزف من الداخل، والغضب يفترس ذاكرتنا المحتجزة في أقفاص الحزن الداجنة، عاجزين عن الصراخ في وجه العدو الصهيوني ونزع ألغامه المغروسة في قلوبنا، نقضي الوقت في الترقب والخوف من أن ندوس على لغم لتنفجر أرواحنا وتتبعثر أشلاؤنا هنا وهناك، أعصابنا مشدودة وخيوط صبرنا محدودة، ولا حل أمامنا سوى الجلوس عند نافذة الليل المغسول بأمطار الغضب والحقد والحزن العميق، نناجي الله في صمت وندعوه بحرقة قلب كبيرة، مسكونين بالأمل والرجاء حتى يجعل النصر حليفهم ويثبت أقدامهم في أرضهم المغتصبة، وأن ينشر السكينة في قلوبهم وينزل عليهم الدفء والسلام، ويكون لهم عونا ونصيرا ويحرسهم بعينه التي لا تنام.
كيف لنا أن نلتف حول مائدة الإفطار ونأكل ما لذ وطاب من المأكولات ومختلف الأطباق، وأشقاؤنا في فلسطين يغرقون في برك الدماء ويموتون في العراء، ملتحفين الصبر والإيمان القوي بالله، كيف لنا أن نمضي سهراتنا الرمضانية فرحين مبتهجين، وصرخاتهم قادمة من خلف الغيوم، تقتلع أرواحنا الغارقة في بحر القلق المتوهج الموجع ، تقرع أبواب رؤوسنا من الداخل، حاملة صرخات مخنوقة بعقارب الساعة التي تمتد وتطول في ظل جرائم الإبادة والقمع والتجويع، طريقهم ملغم بالقنابل وطريقنا محفوف بالعثرات، لا نملك سوى البكاء على سجادة الصلاة، والدعاء للأطفال وهم يمشون حُفاة، يشكون الجوع واليتم وغياب الحياة، وهناك بالقرب منهم أهل يئسوا من جمع الرفات، ينتظرون الفرج ووصول الدعم من الحماة.
كيف لنا أن ننام والأحباء لا يعرفون كيف يغمضون الجفن، وليلهم يختنق ببياض الأكفان، ورائحة الموت تسير كالطيف بين الجرحى، تتغلغل بعمق في الأفئدة والكلمات الملطخة بالدماء، وهناك بالقرب من الخيم، في ماذا يفكر هذا الشاب، وقد بُترت ذراعه وهو يحاول تدمير الرأس الصهيوني بالحجر، ممتطيا جواد همته وقوة عزيمته، مرتديا دعاء والدته وبركة أرضه وأحلام شقيقته، كيف له الآن أن يحمل صديقه الملطخ بالدماء بدون ذراعين ولا ساقين، أما فمه فلا يزال يمسك بالعلم الفلسطيني يأبى أن يتركه، يشم رائحته ينعم بدفئه، ويرحل معه صوب الأفق، ذلك الأفق القريب الذي يرسم له ولهم جميعا حياة أخرى تتطاير فيها الفراشات من الصدور، وتلمع فيها السماء من كثرة النجوم، حياة يختفي منها بنو صهيون ويعود النبض الفلسطيني إلى القلب العربي، حينها فقط ترفع رايات النصر عاليا وتشرق شمس الحرية في كل مكان، تُذرف دموع الفرحة وتوزع الابتسامات وسط الأمهات..إنها الحياة التي ستشهد على انتصار فلسطين وطرد الصهاينة المجرمين،اللهم انصر إخواننا وارفع الظلم عنهم، واحرسهم من كيد الأعداء والظالمين .