على صمود غزة نجدد فهمنا للقرآن الكريم.

وأعدوا لهم...

وأعدوا لهم...
رمضانيات
ما كان لهذا الدّين وهو آت من الرّحمن أن يكون عدوانيا أبدا. وما كان له وهو يبشر بالسعادة في الدارين أن يكون سيفا مُصلَتا على رقاب النّاس إكراها أبدا. وما كان له وهو يحرّم قتل النّفس أن يكون دين هجومٍ واقتحامٍ يُبَيِّت النّاس في مضاجعهم أو يصبِّحهم في مساكنهم على حين غرّة أبدا. إنّها الحقيقة التي تقرأها اليوم على ضوء النّيرات التي أوقدها العدوّ في غزّة، حرقا، وتفجيرا، وهدما. وأنت تقف مليا أمام قوله تعالى: ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةٖ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَيۡلِ) (الأنفال) لتُدرك سريعا أنّها نزلت بعد "غزوة بدر" مباشرة، لتقول للمسلمين أنّ هذه الغزوة حدثٌ فارقٌ في تاريخ البشرية، وأنّ ما قبلها ليس يُشبه أبدا ما بعدَها. وأنّ المفاهيم التي كانت سائدة في جاهلية النّاس، عربا وعجما، شرقا وغربا، لم تعد سائدة اليوم. فنظام الحرب، ومفاهيمها المُسيِّرة لها جديدةٌ كلّ الجدَّة، يريدها الله عزّ وجلّ أن تكون على نحو جديدٍ فيه خيرٌ للبشرية جمعاء، يجعل "الجهاد" يقف على الطرف النّقيضِ من "القِتال"، وأنّه في أسمى معانيه هو الخروج من أجل تبليغ دين الله عزّ وجلّ للنّاس كافة، ودفعُ من يعترض طريقَ الحقّ، حتى تصل دعوةُ الله عزّ وجلّ كاملةً إلى أطراف الأرض. فليس من أهداف هذا الدّين أن يستعمر أرضا، أو أن يُبيد شعبا، أو أن يخرجَه من أرضه. بل مراده أن يوصل إليه دين الله تاما غير منقوص. كانت الآية في وعي الجيل الأول من الصّحابة تأمرهم أنّ عليهم الاستعداد المادي والمعنوي للمدافعة عن هذا الدين، لأنّ العالم من حولهم سيتحرّك بكلّ قوته ليعترض طريقَهم، ويحول دون مُهمَّتهم التي كلَّفهم الله عزّ وجلّ بها، وأنّ العالم الكافر سيحاول بكل ما أوتي من قوّة أن يحدّ من انتشارهم، وأن يطمس نور دعوتهم. وليس أمامهم إلاّ أن يُعدّوا عدّتهم بكل ما أوتوا من علم، وتدبير، وقوة، ومال، فإنّها حصانةٌ لهم، وتمكينٌ يتحركون فيه لبلوغ غايتهم من إيصال هذا الدّين إلى الأمم المستعبدة المحرومة من نور الهداية في أطراف الأرض. فكانت الغاية الأولى من الإعداد هي (إرهابُ) عدوُّ الله أولا، ثم عدوّهم ثانيا. وكلمة (تُرهبون به) تحمل في معانيها معنى إخافة الآخر وجزره، حتى لا تسوِّل له نفسه فعل شيء. ومن ثمّة لا يعترض طريق السّاعين إلى نشر كلمة الله. لذلك نجد الآية التي تليها مباشرة يقول فيها الله عزّ وجلّ لنبيِّه: )وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ٦١) لأنّ السِّلم هو الذي سيفسح المجال أمام النّاس حتى تواصلوا مع هذا الدّين تلقيا، ومدارسة، واتباعا. فليس من مطالب الإسلام أن يُباد النّاس أو أن يقهروا حين مُدافَعَتِهم، وإنّما مطلبه أن تصلهم كلمة الله عزّ وجلّ فينقلبوا مُسلمين. وأصل الأمر كلّه أن يُسلم النّاسُ لربّ العالمين. فليس في هذا الدّين (هجوم) على أحد قصد إيذائه، وإخراجه من موطنه، وافتكاك رزقه، وسلب خيرات بلاده. وإنّما المطلب الأول أن يكون (مسلما ) بعدما تصله كلمة الله واضحة غير محرّفة ولا منقوصة.

يرجى كتابة : تعليقك