كان بشير مفتي طالبا بالجامعة معهد الأدب العربي بالعاصمة في السنة الثانية بداية التسعينيات عندما التحق بجريدة " الجزائر اليوم"، حيث عمل بشكل خاص في القسم الثقافي، كان يكتب تقارير عن نشاطات ثقافية، حوارات، قراءات في كتب، مقالات نقدية.
يقول بشير مفتي " لا أخفيكم أن التحاقي بالصحافة كان مرتبطا بالبحث عن مدخول مادي، يلبي بعض الحاجيات الضرورية في ذلك الوقت الصعب، وأيضا لأني اعتقدت دائما أن الصحافة خاصة في المجال الثقافي ستكون أقرب إليّ من أي وظيفة أخرى، وما ظننته سيكون مجرد عمل ظرفي، مؤقت، تحول إلى مهنة طويلة العمر، حيث كنت أعتقد أني سأكمل مساري الأكاديمي وأصبح أستاذا جامعيا مثل العديد من الأدباء الجزائريين، لكن فترة التسعينيات الصعبة جعلتني لا أكمل رسالتي الجامعية التي اشتغلت عليها فترة من الوقت، وأخذتني مهنة الصحافة الثقافية إلى عالمها، فبعد جريدة " الجزائر اليوم" عملت فترة نصف سنة تقريبا في جريدة "الحدث" الأسبوعية قبل أن ألتحق بمغامرة جريدة " الشروق الثقافي" التي كانت جريدة ثقافية ناجحة، لكنها توقفت بعد سنتين، وهنا وجدت نفسي في بطالة، لم أستطع لا العودة إلى الجامعة ولا العمل في الصحافة المكتوبة، حتى جاءتني فرصة العمل بالتلفزيون العمومي الذي التحقت به في سنة 1996 ، وكانت أول حصة تحت إشرافي بعنوان "ضفاف" دامت سنة تقريباً، قدمت فيها الكثير من الوجوه الأدبية الشابة التي كانت تنشط في تلك الفترة، ثم جاءت بعدها تجربة " النشرة الثقافية" والتي أيضا دامت سنة كاملة أيضاً، وبعدها عملت في عدة حصص ثقافية منها 52 ثقافة ولمسات وفضاءات ..الخ حتى آخر حصة ثقافية أشرفت عليها هي " المسير" وكنت مسرورا أنني قدمت أسماء أدبية كبيرة كجيلالي خلاص وربيعة جلطي وعبد الحميد بورايو والشيخ الفاضل محمد الصالح الصديق..الخ.
يضيف بشير مفتي : " لقد كانت تجربتي التلفزيونية متميزة رغم ما صاحبها من صعوبات ومشاكل عديدة لا يحس بها إلا من عاشها من الداخل، واعتبرتها بالنسبة لي فرصة لتقديم الذين يستحقون الظهور من الأدباء وأهل الفن والإبداع بشكل عام، وطرح القضايا الثقافية الجادة ..الخ، أما الآن فأنا المشرف على الحصص الثقافية التي تقدم على القناة الإخبارية " شرفات، سطر من كتاب، رواق الإبداع، كتاب وقضية، المسير " ، وسعيد أن التلفزيون العمومي منفتح كثيرا على الحصص الثقافية النوعية التي اعتبرها مادة ضرورية لتثقيف المشاهد وزرع القيم المعرفية والجمالية في نفوس المتابعين، فالإعلام المرئي لا يمكن أن يكون مجرد تسلية، بل له وظيفة ورسالة ثقافية في غاية الأهمية.. طبعا تخلل هذه المسيرة الطويلة نسبيا مغامرات كثيرة كإشرافي على ملحق " الأثر" الأدبي الفكري لعدة سنوات بجريدة "الجزائر نيوز"، حيث كنا نحضر 12 صفحة تقريبا كل أسبوع بمادة أدبية وفكرية وترجمات نوعية، مع شلة من الكتاب والمترجمين لا بد من ذكرهم عبد الوهاب معوشي، هزرشي عبد الباقي، يوسف بوطاروق..كنت أتمنى لو استمر هذا المشروع وتطور ليتحول إلى مجلة لكن للأسف اضطررت للانسحاب في النهاية لأسباب خاصة ،.. كما كانت لي تجربة في الكتابة بالصحف العربية، منها الحياة اللندنية حيث كان يشرف على القسم الثقافي الكاتب اللبناني عبده وازن، كما كنت أنشر بجريدة القدس العربي حينما كان يشرف على الصفحة الثقافية الشاعر الراحل أمجد ناصر، إلى جانب مراسلة جريدة "الأخبار" اللبنانية في القسم الثقافي الذي يشرف عليه الصحفي بيار أبي صعب، وكانت آخر مغامرة الكتابة مع ملحق النهار الثقافي اللبنانية بدعوة من الشاعر اللبناني عقل عويط، وجمعت العديد من مقالات تلك الفترة في كتابي " سيرة طائر الليل" الذي صدر منذ سنوات عن منشورات الاختلاف.
وفي ردّه على السؤال المتعلق بمكانة الأدب والإعلام في حياته، وأيهما الأقرب إليه، قال بشير مفتي :" الإعلام حتى لو كنت أحبه وأمارسه بعشق عندما تتوفر شروط الجدية فهو يبقى وظيفة للرزق، عمل يوفر لنا مدخولا ماديا للحياة ، أما الأدب فالأمر يختلف تماما، فمنذ أدركت حبي للكتابة ورغبتي في أن أكون كاتبا صار هويتي الكاملة أو هويتي التي أتحقق فيها بشكل كامل ومتكامل، فأنا لا أمارسه من أجل المال أو كسب الشهرة، بل لتحقيق ذاتي في الحياة، إنه الطريقة المثالية التي أستكشف فيها أغوار ذاتي ومجتمعي وهذا العالم الذي أعيش فيه وأريد أن أترك من خلاله بصمتي الشخصية، رؤيتي للوجود، ونظرتي للإنسان والعالم ".