غيمة تنتَظر الريح

غيمة تنتَظر الريح
النادي الأدبي
الإهداء: إلى الشُّهداءِ الذينَ أطلَقوا الطُّوفان ذات ليلٍ ثم صعدوا إلى السَّماء على كف غيمهْ، شفَّافِينَ جدا لأن دمهم الفلسطيني قد زاد عن حاجة الأرض. طُوفَانُنَا غَضَبٌ، طُوفَانُهُمْ نَزْفُ فِي كَفَّةِ الحَرْبِ لا كَمٌّ وَلا كَيْفُ. لأنَّهُمْ فِي سَبِيلِ الأرْضِ قَدْ بَذَرُوا أروَاحَهُمْ وأتَمُّوا العُمْرَ واسْتَوْفُوا. تَشَبَّثُوا بِخُيُوطِ الشَّمْسِ يوجعهم أن البلَاد على أَوْجاعها تغفو. ساروا إلى الموت حيْث اللَّيْلُ مُكْتَمِلٌ وحَيْثُ غَزَّةُ بِالأَحْلامِ تَلْتَفُّ. وآمَنُوا بِطُلُوعِ الفَجرِ منْ دَمِهِمْ يَوْمًا لِذَلِكَ صَوْتَ الحَقِّ، لَمْ يُخْفُوا. هَبُّوا مَعَ الرِّيحِ، وَاخْتَارُوا لَهُمْ جِهَةً والمَجْدُ كَانَ إلى أقدَامِهِمْ، يَهْفُو. فَأَتْقَنُوا اللُّغَةَ الحَمْرَاءَ حِينَ طَغَى الطُّوفَانُ فَجْرًا ولَمْ يَمْسَسْهُمُ الخَوْفُ. من "لا تصالح" تَجلَّى وَاضحًا غَدُهُمْ حتى تراءى لعين الواقع الزَّيْفُ. وفَوقَ نَارَيْنِ، مِثْلَ الغيْمَةِ انْهَمَرُوا وشابهوا الماء، لَولَا أنَّهُم جَفُّوا. مُنَزَّهُون وراء الغَيْبِ منْ وَجَعٍ فَلا رَصاصَةَ تُؤْذِيهمْ، ولا قَصْفُ. لأنَّهُمْ شُهَداءُ الأَرضِ منْ ثِقَلِ الأَسماءِ في العَالمِ العُلْوِيِّ قَدْ خَفُّوا. تَجَرَّدُوا من ثياب الوَقت، والْتَمَسوا أقصى الخُلود ولَمْ يُغْمض لهم طَرفُ. مؤبدون فَلا دُنيا تَضِيقُ بِهِم واللَّهُ عن مُنتَهى أخطائهم يعفُو. هم هكذَا، أشعلُوا الزَّيْتُون وَارتَحلُوا نحوَ السَّمَاءِ وَقُرْبَ الجَنَّةِ اصْطَفُّوا. فَبِالخَرِيفِيِّ منْ أَيَّامِهِمْ صَعَدُوا وبِالشَّفَافِيِّ منْ أروَاحِهمْ زُفُّوا. وَنَحْنُ تِلْقَاءَهُمْ نَمْتَدُّ مَعْذِرَةً وَوَحْشَةً، وَدُعَاءً، كُلَّمَا شَفُّوا. لَمْ يُغْلِقُوا الأُفْقَ عَنَّا، كَي نُعَانِقَهم ويُثْبِتُوا أنَّهم بالوعد، قَد أَوْفُوا. فَوحدهم أطْلَقُوا الطُّوفانَ وابْتَعَدُوا عن دهشة الضوء لمَّا جَفَّت الصُّحْفُ.

يرجى كتابة : تعليقك