كان كاتبًا

كان كاتبًا
النادي الأدبي
يصلّي فجره ثم يخرج مع بدايات الصّباح الأولى، ممنيًا نفسه بحظّ أوفر في العثور على ما يحكى.يتبع دخان سيجارته ويقف في أي مكانٍ يصلح للمراقبة، يفتح كنّاشته الزّرقاء ويتأهّب لأن لا يفوّت شيئا، لا يقف طويلا حتى يبدأ دبيب الحركة في الشّارع، وتبدأ مهمّته في جمع وقودٍ للكتابة ورصد التّفاصيل؛ كيف يفدّ الصّبية نحو المدرسة القرآنية، وكيف تبدو ملامح المتوجّهين إلى أعمالهم بعد النّوم، كيف يتجمّع الطّلبة ويشتكون من تأخّر الحافلة، وكيف تربض الحافلات وتبدأ الشّجارات والتّنافس على الرّكوب، فتح الباعة لمحالهم وتثاؤباتهم المسروقة، أكياس الخبز العابرة، ثمّ طلوع الشّمس مفسدةً لحظات السّكينة المباغتة. لم يكن يبرح الأسواق الشّعبية، يرصد باعة السّمك ورائحة أثوابهم وتجمّع القطط حولهم، بحّة هتاف بائع الأواني، تلصّص الشّحاذين، ومناشدة المشترين للتّخفيض، يخوض غمار النّقاشات السّياسيّة ويستمع للشّكاوي من غلاء المعيشة وقائمة السّكن، يمشي ويدوّن. في المساء كان يلزم المقهى، ينفث سجائره ويجرّب جمع ما دوّنه صباحًا في نص، يحاول الرّبط بين القطع السّردية العابرة، يكدح باحثا عن الاتّساق، ويلعن تسلسل الأحداث الّذي لا يصبّ كما يريده.وفي الليل يعود للبيت بتفاصيل تحكى، وحكايا تسرد، وشخصياتٍ تنمو في روايته. تقابله أمه بملامح ضنكة: _ يليقلك راقي قادر، أنت مسحور. يضيف عليها أخوه: _ يا للعار، كللت من إشارات النّاس لي بأنني شقيق المجنون الّذي يحدّث نفسه. ينهره والده: _ الفن ما يوكلش الخبز. يقف مرخيًا كتفيه، يهتف: _ لست مسحورًا، لست مجنونا، وهل نحيى لنأكل الخبز؟ تصفعه أمه: _ ماذا أقول لأختي الّتي تريد أن تزوجك ابنتها، أنّك كاتب! -أخبريها أنني كاتب، أجني قوت يومي من خيالي. يهمس لنفسه: سأضيف لسيرتي الذّاتية أنّي مجنونٌ في نظر المجتمع، معقّد في نظر العائلة، ومصدر عارٍ لأنّي أفكّر بصوتٍ مرتفع، سأكتب دين أكواب القهوة وثمن السّجائر، وكدحي في البحث عن أي جديد في المدينة الصّامتة! ‟

يرجى كتابة : تعليقك