القصة القصيرة: الأثر الأبقى فكرا، فنا وجمالا ...

القصة القصيرة: الأثر الأبقى فكرا، فنا وجمالا ...
النادي الأدبي
لعل الحديث عن القصة عندنا في الجزائر مثله مثل الحديث عن أحداث يكون الزمن قد طواها أو حوَّلها إلى أحداث مستمرة في الزمان والمكان .. القصد من هذا أن القصة القصيرة بعد الزخم الكبير الذي عرفته في السبعينات، نراها اليوم قد انكمشت على نفسها وانصرف عنها أهلها إلا القلة القليلة التي بقيت محافظة عليها، لكن ذلك لم يشفع لبقاء جذوتها متقدة، وبالتالي تُلقى عليهم اللائمة في كونهم هاجروها وتحولوا إلى كتابات أخرى مثل الرواية، ومنهم من بقي يكتب الاثنين القصة والرواية.. دون نسيان نجاحاتها وازدهارها، فقد حازت مراتب مشرفة كونها أدبا جديدا غلب عليه التجديد بعد أن كان مجرد حكايات تحكى بشكل من أشكال الحكي، لَا بناءً ولا أسلوبا يميزها عن بعضها البعض، فكانت الحكاية غالبة عليها.. لقد عرف أدبنا العربي أشكالا وألوانا من هذا الأدب، لذلك فقد بقي المفهوم السائد حول القصة مفهوما تقليديا، لا جديد فيه ولا تجديد عليه، بمفهوم الأقدمين الذين لم يعرفوا البيوت لمجرد أنهم لم يسكنوا العمارات والفيلات على قول رائد القصة القصيرة في الوطن العربي " يوسف الشاروني". والحديث عن القصة القصيرة إذن مرتبط بتطورها لأنها لصيقة المواضيع التي تثيرها وتعالجها، فالمعنى المقصود هو التطور الواجب حصوله في كتابات كل جيل بمعنى من المعاني الواجب حصوله على أساس أنها متطورة فنا وجمالا، فقد تكون للمتعة أو حاملة لهدف أخلاقي أو ناقلة لحدث تأريخي،شريطة أن تحافظ على أسلوب لغتها الذي يكون تلميحا لا تصريحا وتصويرا لا تقريرا، فنحن إذا نظرنا لها قبل الخمسينات نجد محاولات أو إرهاصات للحكاية الرومانسية والمقالة والقصة...الخ. أما بعد الخمسينات فلها شأن آخر على أيدي رواد آخرين، يتقدمهم الأديب الشهيد أحمد رضا حوحو، وهي أي القصة ما فتئت تتطور مواضيعها، لنرى ذلك فيما يلي: أولا: القصة القصيرة في فترة السبعينات أخذت منحى متطورا واتجهت إلى تحديث تقنياتها، ووسعت مجالات تدخلها مستفيدة وبقوة مما أتاحته وسائل السمعي البصري، مثل الإذاعة والتليفزيون وتلاحمها مع الفعل المسرحي والدرامي، فضلا عن تأطير الفنون التشكيلية وجعلها فاسحة المجال للمعنى الواجب إلقائه أو توصيله للجمهور المتذوق لهذه الفنون بشكل واسع.، وعلى هذا الأساس قامت تجربة القصة القصيرة السبعينية وارتبطت بشكل واسع بما أفرزته حركية المجتمع العاملة تجاه الغد الأفضل، والحياة الكريمة وحاجة الإنسان الجزائري إليها، ومن هذه الأرضية ازدهرت القصة القصيرة، ومعها الحركية المسرحية والسينمائية وبقية فنون التعبير الأخرى . ثانيا: التجربة القصصية في راهنها الأدبي مع تغير بعض مصطلحاتها من القص إلى السرد والسارد، أو من المتن أو تسميات عديدة فرضها ليل البحث عن ما هو مختلف وجديد، فهو يرتكز ولا يتكئ إلا على ما يراه هو"نسميه بطلا كما كان" في تعاطيه مع هذا الفن، والحقيقة هي أن القصة ستبقى قصة بكامل أركانها الفنية واللغوية والجمالية ، فما أقرأه على قلته هو شبه كتابة قصصية تعتمد إيحاءات لغوية، بجمل قصيرة لا تفي بالغرض، فمن الأفضل أن تتمسك بكونها قصة قصيرة، أو أقصوصة قصيرة، بدلا من تسميات أثّرت سلبا على مجمل خصائصها الفنية وضيقت عليها، وأثقلت كاهلها وجعلتها حبيسة إشكاليات فنية لم تفتح أمامها أفاقا كمجال للتطور والتعبير عن غرضها وأهدافها، حتى لا تصبح مثل لباس، يعجبك مظهره ,, لكنه بدون "جيوب" !! تماشيا مع موضة معينة!! سريعا تظهر وسريعا تختفي معانيها في مظهره العاري من أي غطاء!!. قبل اليوم كانت وسائل الإعلام تعمل على فرز ما ينشر أو يبث أو يمثل أو يشاهد استنادا إلى نص قصصي أدبي أو حتى روائي" مع استثناءات لجهود عاملة في جريدتي "الجمهورية" و"النصر" حاليا، وهي مشكورة للدفع القوي الذي توفره للمبدعين الجدد ولمتابعة أخبار النص الإبداعي أينما وجد. فلولا متابعات الدكتور مخلوف عامر النقدية لكثير من التجارب التي ربط سابقها بلاحقها لكانت التجربة تعاني قصورا ـ تجاوزا لكل ما هو من الأدب وما هو ليس من الأدب في شيء، وفي الأخير ينبغي أن أشيد بما أنجزه الأديب عبد الرزاق بوكبة في مجموعته الأخيرة حول الفعل الإنساني للمقاومة الفلسطينية في صمودها الأسطوري في غزة، إنها تجربة حية بعثت حياة في فن كاد أن ينسى أبعاده الإنسانية النبيلة.

يرجى كتابة : تعليقك