"الولد سر أبيه"، " ذاك الشبل من ذاك الأسد" ،" تلك الورقة من تلك الشجرة"
و غيرها كثير من الأمثال و العبارات التي تشير إلى تأثير الآباء و الأمهات في تشكيل شخصية الأبناء و البنات، باعتبار الأولياء هم الأشخاص الذين نفتح أعيننا عليهم، فيصبحون النموذج الأصلي الذي نستلهم منه القيم و السلوكات و الأخلاق ..
و على مر السنوات الأولى من الحياة ننشأ على تتبع خطواتهم و تقليدهم في طريقة كلامهم و وقوفهم و مشيتهم و ردود أفعالهم.. نلبس أحذيتهم و نمثل أدوارهم .
الأطفال في السنوات الأولى يكونون في مرحلة الاسفنجة التي تمتص كل شيء، فيشكلون عالمهم مما يرونه و يسمعونه، و بالخصوص من بابا و ماما.
لذا من الأهمية بمكان أن يحرص الأولياء على التواجد في حياة أبنائهم بالمشاركة و المرافقة و المجالسة و الحوار، حتى يشكلوا ذاكرة مشتركة إيجابية تساهم في صنع هويتهم و بناء شخصيتهم..
فلن يتذكر الناس من طفولتهم تلك الأيام العادية و لا الألبسة و لا الأدوية و لا الأدوات المدرسية.. مما يعتبر من روتين الحياة الأسرية اليومي..
و لكن سيتذكرون تلك الخرجات و الرحلات و المفاجآت و الزيارات العائلية و إحياء المناسبات الدينية و الأسرية و ردود الأفعال حين وجود المشاكل أو الأخطاء، أو حدوث تغيرات كبيرة في الحياة.
إن غياب الأب عن الأسرة و اكتفائه بتوفير لقمة العيش و توفير الاحتياجات الأساسية للبيت.. كل ذلك لا يغني عن أهمية مشاركته ابناءه تجاربهم و مشاكلهم و مرافقتهم له في الافراح و الأتراح ليأخذوا منه العبرة و المثال و القدوة..
في كثير من الأحيان يعود الأب متعبا إلى البيت لا يرغب في الحديث مع أحد.. بل يفضل الاستراحة و مشاهدة التلفاز أو تصفح الهاتف.. و هو ما سيحرم افراد العائلة من إشباع حاجتهم الأساسية للتواصل و التعبير عن المشاعر و استشعار الحب و القيمة التي تكمن في القلوب لكن لا يرى لها الأثر المطلوب.
كما أن انشغال الأم بالأشغال و الواجبات المدرسية لا يجب أن ينسيها دورها في تعليم أبنائها و بناتها مهارات الحياة و أداء الواجبات المنزلية المختلفة في إطار التعاون و التدرب. و لا تتحول إلى خادمة لهم فيشعروا بأن المطلوب الوحيد منهم هو الدراسة فلا يرفعون صحنا و يغسلون طبقا و لا يرتبون سريرا و لا خزانة و لا غرفة.
إن وسائط التواصل الاجتماعي صارت يوما بعد يوم تشكل وعي و لا وعي الناس المستهلكين لها ، لا ينجو من هذا لا كبير و لا صغير...و يزداد الامر خطورة كلما كان هذا الانغماس مبكرا أكثر.. فبعض الأسر تعتبر مكوث أطفالهم في البيت هو أكثر أمنا لهم فيفرون لهم الأجهزة الذكية للإبحار و اللعب و الدردشة و في أحيان كثيرة بلا رقابة و لا حدود؛ فيقعون ضحية الإدمان و الكثير من المخاطر.
يظن بعض الأولياء أنهم يعرفون ابناءهم حق المعرفة و بمقدورهم توقع أفعالهم و ردود أفعالهم.. لكن في كثير من الأحيان يكون ذلك مجرد وهم باعتبار هؤلاء الصغار لديهم عالمهم الصغير الخاص بهم و المليء بالأسرار و الأغوار التي لا تنكشف إلا بمداومة الاحتكاك و النقاش و الحوار و الانتباه و الملاحظة لتغيرات السلوكات و العادات و نوعية العلاقات و الصداقات.
إذن فحتى يكون ذلك الشبل من ذاك الأسد..لا بد للأسد أن يجد بعض الوقت مع شبله، يعلمه و يدربه و يورثه مهاراته و معارفه..و يعوده على حسن التصرف و حسن التدبير.
وفقنا الله و إياكم لكل خير