عطاء متواصل وإبداع متميز عمره نصف قرن

ريشة لم تعرف طريق الانقطاع

ريشة لم تعرف طريق الانقطاع
مجتمع
-أول رسام كاريكاتوري يلتحق بالمؤسسة بعد التأميم مباشرة وعمره 19 سنة جفّ حبر الرسام الكاريكاتوري طاووش بن عودة فجأة و دون سابق إنذار وتوقف الفنان المبدع عن العطاء قبل أن يحقق حلم العمر، مشروع انجاز الكتاب الذهبي لجريدة الجمهورية الذي ظل يسعى إلى تحقيقه منذ عدة سنوات ، أملا في جمع أبرز مراحل وانجازات هذا المنبر العريق بأقلامه اللامعة وأسمائه البارزة وجنوده الذين طلقوا الحياة الأسرية من أجل مهنة المتاعب آنذاك فانطفأت شمعة من شموع لاريبيبيلك من جديد بسقوط إسم معروف في الساحة الوطنية من قائمة عمال الجريدة القدامى وبرحيل أحد أبنائها الذي لم ينقطع يوما عنها حتى انتقاله الى مؤسسات اخرى وحتى بعد إحالته على التقاعد. حينما طلبت مني مديرة التحرير لجريدة الجمهورية الصحفية ليلى زرقيط الحديث عن المرحوم طاووش بن عودة والتعريف بأعماله وانجازاته الإبداعية التي تستحق فعلا الإشادة ساعات فقط بعد رحيله ، فضلت تناول الموضوع من زاوية واحدة ، ليس لغياب المعطيات أو لمحدودية المعلومات عن الحياة المهنية للفقيد وإنما اختياري لمحطة الاحتفال بالذكرى ال58 لتأسيس الجريدة من منطلق أنها منعرجا هاما لطاقمها الحالي والسابق على حد السواء و القاسم المشترك والحدث البارز الذي جمعني بالمرحوم العام المنصرم . لم يكن لي الحظ الأوفر للتعامل مهنيا مع الفنان الكاريكاتيري بعد التحاقي بجريدة الجمهورية ، رغم انه لم ينقطع عنها ولا يوم ، حتى بعد انتهاء مهمته ولم أحتك به كثيرا ، رغم تواضعه مع الجميع وبساطته غير المحدودة ، ومع ذلك فالصُدفة كانت أكبر بكثير من سنوات العمل والخبرة التي قد تجمع الفريق الصحفي في الميدان . اليوم وبعد مرور سنة عن الاحتفال بالذكرى ال58 لتاسيس لاليبيبليك – الجمهورية أعود قليلا إلى الوراء وبالضبط إلى تاريخ 29 مارس 2021 حينما تقربت من أقدم وأكفئ الصحفيين والتقنيين والمصوريين والأعوان الذين شاركوا في بناء هذه المدرسة القديمة بأقلامهم وجهدهم وعملهم المتفاني رغم كل الصعاب في اطار عدد خاص بالمناسبة أتذكر جيدا تاريخ مارس 2021 حينما بادرت الجمهورية في إعداد ملف خاص بالذكرى ال58 لتأسيس الجريدة ، وأتذكر جيدا حينما شرعت في التنقيب عن أرشيف الجريدة والبحث في سجل الجريدة عن أعمدتها من أجل إعداد ملف كامل يجمع أبرز وأهم المراحل التاريخية للمؤسسة من بينها المحطة الخاصة بالمرحوم طاووش بن عودة . لم يرفض المرحوم دعوة الجمهورية لأنها كانت بمثابة جرعة الأكسجين بعد تقاعده ، حتى وان لم يتوقف عن الرسم والإبداع ولم يبخل عن تقديم المعلومات الخاصة بظروف العمل والأحداث التي مرت بها المؤسسة . تحدث طويلا عن الجريدة في يوم 20 مارس 2021 لمدة تزيد عن الساعتين تقريبا وهو يحكي بكل حب واشتياق عن سنوات السبعينيات والعهد الذهبي للمدرسة الأم و الجو الأسري الذي كان يجمع الفريق من المدير إلى عون الأمن بدون استثناء ، ففتح لنفسه بابا ظل يبحث عن المفتاح المناسب لمدة تزيد عن نصف قرن وسمح لي في نفس الوقت أن أعيش مرحلة مضت وأتعرف ، أو بالمعنى الصحيح أتصفح كتاب أول رسام كاريكاتوري يلتحق بالمؤسسة بعد التأميم مباشرة . أمور عديدة لم أكن أعرفها من قبل بحكم تجربتي المحدودة في عالم الصحافة المكتوبة وبالضبط في فن الكاريكاتور ما دفعني في اللقاء الذي جمعني بالفقيد أن أدقق في كل كبيرة وصغيرة وهو بدوره لم يكن مرحلة غامضة في تاريخ الجريدة العريقة ، أو كتابا مغلقا يصعب الاطلاع عليه ، بل على العكس حاول قدر المستطاع أن يعرض تاريخ المدرسة بالتفصيل عبر عقود مرت وعبر مسيريها الذي احتك بهم طيلة فترة عمله . من باب البساطة وعدم التكلف مع من حوله بدأت حياة المرحوم بن عودة مع الرسم والإبداع وبدأ مشوار طويل عمره نصف قرن من الزمن شارك بأعماله في عناوين عديدة وتنقل من بستان لأخر بحثا عن الفن البنّاء لأنه كان مولع بالإنتاج العالي والرؤية المستقبلية المتعددة الأهداف . -1968 أول محطة من قطار الفن والإبداع . لم أكن اعلم أن هذا الشخص الصامت الخجول يخفي من ورائه خبرة طويلة ومسار حافل بالانجازات وتجربة صقلت شخصية شاب يهوى الرسم ويبحث عن التغيير بقلم لا يعرف التوقف وريشة لا تجف رغم الكبر وصعوبة الحياة . التحق طاووش بن عودة بالجريدة في الفاتح سبتمبر من سنة 1968 وعمره لم يتجاوز آنذاك 19 سنة في عهد المدير عبد الحق عثمان ، هذا الشاب الطموح اختار طريق الفنون الجميلة التي تخرج منها وهو يحمل في بداية مشواره أصول الرسم الكاريكاتوري ليكون أول قلم يبدع في صفحات الجريدة في تلك الفترة بالذات من خلال أعمال راقية تحمل في طياتها الكثير وتعكس المستوى العالي للفنان . .وخلال اللقاء المطول الذي جمعني بالمرحوم ، لم يفوت الفقيد فرصة الحديث عن تاريخ المؤسسة وما حققته عبر أحقاب زمنية ليبرز خبرة المدير الأسبق بشير رزوق وما أنجزه في الفترة التي تولى فيها مهمة التسيير، لا سيما من زاوية استحداث قسم الإشهار بأعوان يتكفلون بالإشراف على كل ما له علاقة بالإشهار، حيث تمكن الفريق من تخصيص أكياس كُتب عليها" r pub" للتعريف بالمؤسسة وما تقدمه من خدمات في هذا الجانب بالذات وفعلا فقد تمكنت الإدارة من رفع مبيعاتها في تلك الفترة بفضل الخدمات التي كان يقدمها القسم ،لاسيما وانه التزم بإضفاء بصمة خاصة تجعله ينفرد عن باقي العناوين . وفي سنة 1972وتزامنا مع الاحتفالات بعيد الاستقلال شارك المرحوم برسومات كاريكاتورية وهذا في صفحات العناوين العالمية ك "لوموند" لمدة تزيد عن 15 يوما وقد لقيت المبادرة تشجيعا وترحيبا من قبل المؤسسات الوطنية و الدولية . عطاء المرحوم لم يتوقف عند هذا الحد بل واصل بلمساته الخاصة طيلة تواجده بالمؤسسة بإبراز كل ما هو الجديد على عناوين الصفحة الأولى مستعملا هذه التقنية الجمالية اللامعة فيصبح بعدها من ابرز الأسماء وأثقلها عملا في سجل الإنتاجي الكاريكاتوري على مستوى الوطن ككل . تقدم سنه ومسيرته الطويلة لم يقفا أمام طموحه المتزايد وحبه للرسم حيث ارتبط اسمه بعناوين محلية ووطنية عديدة بعد مغادرته للجمهورية وحتى بعد إحالته على التقاعد من بينها جريدة صدى وهران بالفرنسية و" لومند اوجرودوي" وغيرها من الجرائد المحلية تنقل من خلالها من مقر لأخر بحثا عن التجديد ولم يتوقف بالموازاة عن لوحاتها الزيتية المعبرة والرسم على النحاس كذلك ، إلى أن وقف المرض حاجزا أمامه وكبّله فجفت ريشته إلى الأبد .

يرجى كتابة : تعليقك