عندما نتحدث عن الشعراء العراقيين قديما وحديثا لابد أن نأتي على ذكر عظمائه الخالدين في الحاضر ومنهم الشاعرة الكبيرة وإيقونة الشعراء العرب ساجدة الموسوي شاعرة العراق، فهي تعتبر من رائدات العمل النسوي في العراق والوطن العربي، وقد استحقت بجدارة لقب ( نخلة العراق وشاعرة الشتات العراقي )، لقد تولت العديد من المناصب والمواقع المهنية والثقافية المختلفة منها مديرة تحريرة مجلة المرأة في العراق من عام 1977 لغاية 1989.وترأست نادي الجمهورية الثقافي في العراق من عام 1994 لغاية 1998 كما تولت العمل في المركز الثقافي العراقي بلندن من عام 1989 لغاية 1993، وأصبحت عضوا في المجلس الوطني في العراق (البرلمان) الدورة التي سبقت الاحتلال 2003 وكانت مقررة للجنة حقوق الإنسان فيه، وشاركت في عشرات الملتقيات والمهرجانات والأسابيع الثقافية في أغلب الدول العربية آخرها أيام قرطاج الشعرية أواخر شهر مارس 2019. كما كانت عضو شرف في رابطة الباحث العلمي العربي منذ عام 2018، ومقرها دولة الإمارات العربية المتحدة. ونالت العديد من الشهادات والميداليات والأوسمة، إضافة الى مشاركتها في العديد من الندوات والمهرجانات الشعرية والأدبية والثقافية في الوطن العربي والعالم. وأصدرت العديد من الدواوين الشعرية الجميلة، وترجمت أشعارها الى لغات عالمية، وكتبت ساجدة الموسوي قصيدة شعرية أهدتها إلى الجزائر تزامنا والاحتفالات المخلدة للذكرى الستين لعيد الاستقلال، حيث كان من المنتظر مشاركتها في الملتقى الذي نظّمته وزارة المجاهدين حول أصدقاء الثورة الجزائرية، إلا أنّ الدعوة وصلتها متأخرة بعدما غيّرت إقامتها من العراق إلى دولة الامارات العربية، حال دون مشاركتها في الموعد. وتم تكريمها مؤخرا من قبل القنصلية الجزائرية بدبي وعن هذا التكريم كان لنا معها هذا الحوار من خلال اتصال الجمهورية بها .
- كيف كان شعورك سيدتي وأنت تكرمين من قبل القنصلية الجزائرية في دبي خلال احتفالية الستينية ؟
شعور الفرحة و الغبطة و أنا ابنة الأم الثانية وهي دولة الجزائر، فلقد تم تكريمي من قبل قنصلية الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في دولة الامارات العربية المتحدة، وجرى التكريم في مقر القنصلية بدبي، حيث تم استقبالي من قبل القنصل الجزائري العام محمود محمدي والذي رحب بي أشد الترحيب خلال اللقاء وثمن مبادراتي في دعم قضايا الجزائر وتكريم ثورتها التحريرية، وأنا أعتبر ذلك تكريما للشعر العراقي، ومعززاً للروابط الأدبية والثقافية الوثيقة التي تربط الشعبين الشقيقين.
ـ لقد كتبت قصيدة شعرية أهديتها إلى الجزائر تزامنا مع احتفالية الستينية لعيد الاستقلال، فكيف تفاعل حرفك القومي مع هذا الحدث الكبير؟
لقد تلقيت دعوة من قبل السلطات الجزائرية لحضور ملتقى أصدقاء الجزائر، لكن تحسرت لعدم إمكانية زيارة لبلدي الثاني الذي أحبته منذ الصبا، وتعلقت بتاريخه الثوري والكفاح المسلح، وكتبت قصيدة بهذه المناسبة والتي نشرت في جريدتكم الغراء " الجمهورية " وفي مجلة "كل العرب"، والقصيد عربون محبة من الشعب العراقي للشعب الجزائري الذي دفع فاتورة كبيرة من قوافل الشهداء، فجاءت حروفي مهداة للأرض المدافعة عن قيم العروبة والأمة، أقول في مقاطع منها :
هذي الجزائرُ مهجتي وحبيبتي/ هي نجمتي الزّهراءُ/ في عَتمِ المدى/ هي أختُ روحي/ التقيها كلّما صعَدَ الحنينُ إلى الذّرى/ هي كلّما ذُكرَ اسمُها/ تهتاجُ في قلبي المَشوقِ فتونُها/ فأتيهُ كالمأخوذِ عشقاً بابليّا/ أنا لم أقلْ للآنَ شَيّا...وعرفتها منذُ الصِّبا / سرّاً سرى في خاطري / حين النّشيدُ المدرسيُّ بمجدِها قد كُلّلا/ كم هِمتُ طيراً في فضاءِ الكونِ / مسحوراً بما قد أُنشدا! / ومع المساءِ..وحينَ تكبُرُ حيرتي / أسعى إلى أمّي/ فأسألُها: ما النّازلات؟ / ما الماحقات؟ / فتجيبُ في ولهٍ / فأشهقُ..أشهقُ / يا إلهي! / والمعاني الشّاهقاتُ / من عجبٍ تُرخي يديّا / أنا لم أقل للآن شيّا... / هذي الجزائرُ مرفأُ الأبطالِ/ مرسى الطّامحينَ إلى المعالي/ هي درّة المجدِ المؤثّلِ / بالوقائعِ والفِعالِ/ هي مَن تسامى بالنّساءِ الفادياتِ وبالرّجالِ/ هي منهجُ الثّوارِ/ في دحرِ الغزاةِ وطردِهم / حتّى انجلى أفقُ المعاركِ / وانبرى فجرٌ ضحوكُ الثّغرِ / شَعَّ على البطاح.. /الله أكبرُ يا جزائر
ـ لنعود إلى بداية كتابة أول حرف و قصيد شعري في حياتك ؟
قبل أن تبزغ أول قصيدة لي كتبتها وعمري ( 12 عاما ) كنت أعيشُ تجلياتي الشاعرية مع الشجر والنخيل الفارع في البستان القريب من بيتنا، مع هديل اليمام، ورائحة الطلع، كنت لا ألعب بالدمى كبقية البنات، لأن أمي كانت كل عام تلد، وأرى في الطفل الجديد دميتي، كنت أساعد أمي وحين يأتي المساء وننام على السطح تبدأ لعبتي.. حيث أشكل أحلامي بشخصيات النجوم، وأستحضر الشمس والقمر والغيوم والمطر والريح، فأشكّل منهم قصصاً وحوارات لا يسمعها سواي، أما أول إنسان أثّر فيّ هي أمّي التي كانت تحفظ القرآن الكريم، والكثير من الشعر العربي والشعبي والأمثال والحكم، ثم والدي الذي حرص على تعليمي وشجعني، ومؤثرات أخرى كأخويَّ اللذين يكبرانني واهتمامهم بالكتب، ثم المدرسة، في كل ذلك وجدت ضالتي وهي أن أقرأ وأقرأ، كنت أنهل حتى بزغت، ثم ترعرعت، ثم زادتني تجارب الحياة خبرةً ووعياً وما زلت أتعلّم حتى يومنا هذا .
ـ من كتب عنك وأشاد بنتاجاتك الشعرية والأدبية ؟
كثيرون كتبوا عني وعن نتاجي الشعري والأدبي وأذكر منهم الأديب الراحل فاروق شـوشـة ، فقد كتب عني في مجلة العربي الكويتية وأطلق علي اسم (شـاعرة الشـتات العراقي ) وذلك في العدد 658 سبتمبر 2013 . كما تناولت تجربتي عدة كتب ومجلات ثقافية ..ومن ثم تم تكريمي من الأمم المتحدة في دبي لمشاركاتي في العمل الإنساني .وكرمتني دولة الإمارات العربية المتحدة ومنحتني الإقامة الذهبية ..اضافة الى ان جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية في دولة الإمارات منحتني درع الريادة الشعرية .كما كرمتني المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر لمساهماتي المميزة في مجلة (معكم ) التي تصدرها المنظمة .ومنحت مؤخراً عضوية المنظمة الأوربية العربية للتبادل الثقافي في بلجيكا .كما أمارس الآن انشطتي الثقافية داخل وخارج دولة الإمارات .
ـ ما هي أهم الاصدارات الشعرية والأدبية والجوائز التي كرمت بها ؟
اصدرت العديد من الأعمال الشعرية والأدبية ومنها (17 ديواناً شعرياً) وهي ( طفلة النخل ـ هوى النخل ـ الطلع ـ عند نبع القمر ـ البابليات ـ السُّرى لسُهيل ـ قمرٌ فوق جسر المعلق ـ شهقات ـ هديل اليمام ـ تباريح سومرية ـ ويبقى العراق ـ بكيت العراق ـ جزر الأقحوان ـ حبات كرستال ـ قل للغريبة يا خليج ـ ديوان رسائل إلى سكان الأرض باللغة الإنكليزية – أنا من رأى كما تم منحي العديد من الجوائز حيث كرّمت قبل الاحتلال بثلاثة أوسمة من الاتحاد العام لنساء العراق كرائدة في العمل النسوي وكشاعرة وكاتبة خدمت الوطن . كما منحت العديد من الانواط الوطنية لقصائد تتغنى بالوطن الغالي العراق، وترجمت قصائدي المختلفة لعدة لغات عالمية وهي الإنكليزية والإسبانية والفرنسية والتركية والهندية والصينية .
ـ هل هناك شيئا لازال محفورا بذاكرتك أستاذة موسوي ؟
نص كتبته من سنوات في لندن بعنوان رسّامٌ على الطّريق ، كانت واحدة من سخريات القدر ما واجهتُه في ذلك اليوم من أيّام إقامتي في لندن لعلاج ابنتي المريضة ذات السّنوات الأربع ووالدها المريض .. وهو يوم من الأيّام المرعبة الشّديدة الألم واللّوعة حيث كانت قوّات التّحالف الهمجيّة تقصف العراق بوحشيّة على مدى أربعين يوماً متواصلة، ليلاً ونهاراً، بشتّى أنواع القنابل وأكثرها فتكاً ودماراً.العراق تحت القصف .. انقطعت العلاقات، وصار التواصل مع أهلي في العراق معدوماً، لا أدري من مات منهم ومن ظلّ حيّاً .. وكان عليّ _وأنا الممزّقة الملتاعة على وطني - أن أذهب إلى الصّيدلية لشراء دواء ابنتي لتخفيف ألامها كان الوقت عصراً.. استلمت زجاجة الدواء ضمن كيس نايلون، و خرجت من الصّيدلية ورحت أسير في شارع (كوينز وي) فيما كانت السّماء تنثر رذاذاً خفيفاً. فصادفت طبيباً عراقياً وزوجته كانا من معارفي في العراق (الدكتور مسكوني وزوجته) بهتُّ.. وهرعت لأسألهما عن العراق .. ومن شدّة المفاجأة سقطت علبة الدّواء على حجر الرّصيف فتهشمت، وسال الدواء وسالت روحي معه .. قال الدكتور: نحن من زمان هنا ولا نعلم شيئاً.. رجعت إلى لصّيدلية وأخذت خلطة جديدة ومضيت .. كنت أسكن غير بعيد عن الصّيدلية ، فاتّجهت إلى شارع (بيزووتر) باتّجاه سكني، وصادف أن الرّسّامين قد أقاموا معرضاً كبيراً للوحاتهم على طول السّياج المحاذي للحديقة الشّهيرة في لندن ( الهايد بارك )، وفيما أنا أسير منكسرة القلب مجروحة الخواطر والنواظر استوقفني أحد الرّسّامين وطلب مني بلطف أن أجلس ليرسمني !! ربّما أغرته سحنتي الشّرقية وملامح الحزن الذي اكتسى به وجهي .. تُرى هل للحزن جمال ؟ لا أعلم.. لكنّي مضيت مسرعة إلى البيت لأكتب هذه القصيدة :
أتبغين رسماً لذكرى ؟
تأمّلتُهُ ..
بين تلك الرّسوم بيوتٌ طواها الضّباب
دروبٌ خلت من خطا العابرين
مساءٌ قناديله موحشات
صوارٍ .. بحارٌ .. وداعٌ .. دموعٌ .. غياب ْ
أعاد السّؤال :
أتبغين رسماً لذكرى ؟
سألتُ : وكيف سترسمني ؟
قال : مما أرى
قلت : لا ...
أريد لحالي رسماً يضاهيني فعلاً
وليس الذي تتملّاهُ عيناك ممّا ترى
تأملّني ثمّ قال : صفي وسأرسمُ ما تصفين ...
قلت : ارسمْ بكلّ هدوء ْ
امرأةً تنحني كالهلال على طفلةٍ مرضتْ..
انحنت والمنايا تدور
فوق ظهر الهلال ِ
إذا اسطعتَ ارسمْ بلاداً
قال : ما شكلُها ؟
قلت : قلبٌ له أنهرٌ من حنين
وغاباتِ نخلٍ وتينْ
به جنّةٌ .. جنتان
وأخرى مخبأةٌ في مدار اليقين
لهذي البلاد ِجبال ٌ تداني السّحاب
وتسكبُ للأرضِ أحلى شراب
لها مدنٌ إذا جُرحت في الشمال ِ يئنُّ الجنوبْ
وإن مسّت ِالرّيحُ شرقيَّها
هاج رمل السّموم ِ بغربيِّها
في مداها قرىً من نجوم ٍ
بها لايضيعُ الغريبْ
قلت : ارسمْ بلادي
إذا أنحني كالهلال ِ تراها
بأهلي عليها .. وصحبي .. ومدرستي
والطّريق الذي كنت ُ أسلكُهُ
وورد الحدائقِ عند الصَباحِ أقبّلهُ
والمعلّقِ لمّا .. بخوف الطّفولةِ أعبرهُ
بالرّصافةِ والكرخِ .. بالنّهرِ والطّيرِ والنّخلِ
ارسمْ بلادي ..
سنيناً أحاورها
شوقُ ناقةِ بيدٍ تبادلني رجعَها
نهيمُ بأشواقنا
ونحلمُ حينَ ننامُ على البعدِ
بالفجرِ والمستحيل ..
تُرى هل تمكّنت رسمي ؟
وهل تستطيعُ الوصولَ لغايةِ أشواقنا ؟
تأمّل .. ترَ
في عيوني العراق
وفيما يشفُّ من الدّمعِ قلباً غريقْ
هناك تأمّل ..
تراني بحِملي .. ترفّق بشوقي
ولا تتعجبْ لأنّيَ غاليتُ في طلبي
أنت بادرتني .. وذي صورتي ..
امرأة ٌ تنحني كالهلال ...
ـ ماذا تقولين في مسك ختام هذا الحوار ؟
أنا فخورة بالتقدم الحاصل في دولة الجزائر الشقيقة ،فهي جزء حي من وطني العربي الذي أفتخر به ، ووجهة حضارية عالمية والنهوض الثقافي الذي تشهده هو نتيجة واضحة لوعي قادتها بأهمية الثقافة ودورها الإنساني والقومي ، و أحيي الجزائر بلد المليون والنصف مليون شهيد، فهي قلعة شامخة للعروبة والنضال، وكانت قبلة للثوار و ما سمعته في الجزائر عند زيارتي لها في السنوات الماضية من قصائد حب للعراق من قبل أبناءها الطيبين يدل على أن الحبل السري لن تقطعه مؤامرات الغرب أبدا، و أن الشعوب العربية ستكب يوما تاريخها و توقع حريتها.