أوصى الأساتذة المحاضرون ضمن الملتقى الوطني حول العلوم السياسية: الواقع والآفاق، المنظم اليوم على مستوى كلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة وهران2 محمد بن أحمد من قبل فرقة الحكم الراشد والضبط الاقتصادي لوحدة البحث: الدولة والمجتمع بالتنسيق مع اللجنة البيداغوجية الوطنية للحقوق والعلوم السياسية، بضرورة الإقرار بدور العلوم السياسية في تنمية المجتمع وتطويره، وإعادة تكييف البرامج ومحتوياتها في هذا التخصص في سنوات الليسانس والماستر، بما يتلاءم مع متطلبات سوق العمل، وتحفيز روح الإبداع والمبادرة لدى الباحثين والطلبة، إلى جانب تفعيل وتوسيع دائرة التربصات الميدانية في جميع أطوار دراسة العلوم السياسية، بما يعزز فرص ولوج الطالب لسوق العمل، وفي ذات الوقت الاستفادة من تجارب التخصصات الأخرى في مجال العلوم السياسية، بما يفتح ويعزز الآفاق المستقبلية للتخصص، وأيضا إبرام اتفاقيات التعاون والشراكة مع القطاع الاجتماعي والاقتصادي والشؤون الداخلية والخارجية من خلال التكوين حسب الطلب.
وكان الأساتذة المشاركون في هذا الملتقى قد أثاروا إشكالية مهمة تتعلق بكيفية إعادة الإعتبار لتخصص العلوم السياسية كتاج للعلوم، إذ أنه على الرغم من المكانة العلمية التي يحتلها كعلم نخبوي يساهم في بناء المواطن الصالح، وفي تنمية المجتمعات وتطورها، إلا أنه يعرف تراجعا واضحا في الجزائر، وعجزا بيّنا في إنتاج أطر مفاهيمية ونظرية جديدة تتلاءم وقيمنا المجتمعية، وتستجيب لمختلف التحديات الإستراتيجية.
وفي هذا الصدد أكد الدكتور شعنان مسعود من جامعة الجزائر3 الذي قدّم مداخلة موسومة بعنوان "دور العلوم السياسية في خدمة المجتمع"، أن الهدف من هذا الملتقى ليس إعطاء بعد تنظيري وفكري للعلوم السياسية، ولكن هو مزيج بين هذا الأمر والانشغالات التي تواجه خريجي هذا التخصص والمهتمين بهذا الشأن، سواء من الأساتذة أو الطلبة الذين أصبحوا تائهين، ما نتج عنه نوع من العزوف عن هذا التخصص الذي كان في وقت ما من التخصصات الأولى التي يكثر الطلب عليها لدراستها، علما أنه تخصص النخبة في باقي دول العالم ويقاس بالتخصصات الأولى التي يكثر عليها الطلب كالطب وغيرها.
لكن لظروف معينة، وليس في الجزائر فقط وإنّما حتى في الدول العربية وقع عزوف عليه، ما يطرح تساؤلا لماذا يقع الضغط على هذا التخصص لدرجة أن الطالب أصبح يرفضه لأنه لا يجد وظيفة، ما أوصل الوزارة إلى إغلاق بعض الأقسام بالجامعات لقلة عدد الطلبة بها.
مضيفا أن طبيعة التكوين في هذا التخصص متميزة، تجعل الفرد يهتم بعدة مجالات وليس بالشأن السياسي كسياسة فقط، وله القدرة على الكتابة باستخدام مفاهيم ومصطلحات بطريقة علمية ومنطقية، وهو الأمر الذي يعتبر أساسيا لكتابة التقارير والأوراق البحثية عند دراسة الظواهر السياسية وغيرها، وأيضا من أجل البحث عن حل المشاكل التي تواجه المؤسسات والمجتمع بصفة عامة، ويتسم بالروح الإبداعية، ويستطيع حل للمشاكل بالمؤسسة التي يعمل بها أو عندما تعرض عليه من قياداته.
من جانبه أرجع الأستاذ عبد الحق بن جديد من جامعة عنابة من خلال مداخلته الموسومة بعنوان"مجالات الدور لخريج العلوم السياسية" مآلات وتقهقر هذا التخصص إلى أهل الاختصاص في حد ذاتهم، وذلك من خلال صورة نمطية ومقاربات أفضت إلى الاستهانة بعلم السياسة، وأصبح لديها تداعيات، قد تطال أشياء كثيرة ومن بينها الشهادة الجامعية كرخصة لدخول سوق العمل، فالحاصل على شهادة في تخصص العلوم السياسية سوف يصطدم بنوع من المشاكل تحول دون تفعيل دوره كمتخرج من الجامعة، وستجعله يتساءل عما بإمكانه فعله بشهادته وهو أمر شرعي كما قال، ومن هنا ينبغي على المؤطرين تسليط الضوء على المجالات التي يمكن للطالب أن يتحرك فيها.
وبحكم أهمية هذا التخصص الذي هو ملتقى العلوم، فإن طالب العلوم السياسية يمكنه أن يجد ضالته في تخصصات أخرى في الإعلام أو السياسة أو الوكالات الدولية، لكن في ذات الوقت أن يعمل على التحصيل العلمي، بحيث يتلقى ويساهم، لأن هذه المشاركة تفضي كما قال إلى بلورة خلايا تفكير، لخلق نوع من الإبداع لدى المؤطرين والطلبة بالاستفادة من تجارب الدفعات السابقة، حتى لا تكون هناك قطيعة، بل على العكس يمكن تكوين ما يسمى بنقابة أو خلايا تفكير، لأن التجارب هي التي تحفّز وتصقل.
أما الأستاذ شرقي محمود من جامعة البليدة2 فقد طرح "إشكالية خريجي العلوم السياسية بين جاذبية التخصص ومحدودية التوظيف"، متطرقا إلى تقلص سوق العمل أمام هذه الشريحة التي تمثل نخبة المجتمع، ما جعل التراجع عنها رهيبا ليس في الجزائر فقط وإنما حتى في كل الدول العربية، داعيا الطلبة إلى التفكير في بدائل أخرى تدخل في مجال تخصصه بتوجيه من مكوّنيه، وفي ذات الوقت إعادة الاعتبار لهذا التخصص الذي يعتبر تكوينا نخبويا.
وعند فتح باب النقاش لم يخف الطلبة المتدخلون تخوفهم من مصيرهم المهني، أمام قلة فرص العمل من جهة وشغفهم بهذا التخصص من جهة أخرى.
ما تجدر الإشارة إليه هو أن الملتقى إلى جانب أنه كان فرصة لفتح النقاش حول موضوع مآلات العلوم السياسية في الجزائر وتراجع إقبال حاملي شهادة البكالورياالجدد على التخصص، إلا أنه كان أيضا لتذكر أحد جهابذة العلوم السياسية في الجزائر، وهو البروفيسور وعضو المجلس الدستوري الأستاذ محمد بوسلطان الذي رحل عن عالمنا هذا في 2019 وتذكره زملاءه وطلبته اليوم، علما أن الأستاذ بسلطان هو مؤسس مخبر القانون السلطة والمجتمع، الذي تم ترقيته بفضل الجهود التي بذلها في حياته، وتوصياته وهو على فراش المرض إلى وحدة البحث: المجتمع والدولة الذي ينشط بجامعة وهران، كما أكد لنا ذلك مديره الأستاذ بوسماحة نصر الدين ورئيس الملتقى الوطني وصاحب فكرته الأستاذ صافو محمد.