اصطدم الرأي العام الدولي وعلى الأخص جبهة البوليساريو، والدول المؤيدة لاستقلالها التام عن المملكة المغربية ومنها الجزائر، من التغير الجذري المفاجئ في الموقف الإسباني من ملف الصحراء الغربية، وهذا بعد سنوات من الصمت التاريخي والتزامها الحياد في سياستها الخارجية إزاء هذا الملف، لأسباب معروفة لدى العام والخاص، وفي مقدمتها حساسية الموقف الإسباني من هذه القضية بالذات، على اعتبار أن الصحراء الغربية هي مستعمرة سابقة لها.
وفي موقف غير مسبوق قررت مدريد إعلان دعمها لمبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب في 2007، والتي تقوم على أساس بسط سيادة المملكة على الأراضي الصحراوية التي تزخر بعدة خيرات، تأتي في مقدمتها الثروة السمكية، في الوقت الذي تتمسك فيه جبهة البوليساريو باستقلالها التام عن المغرب، مطالبة الأمم المتحدة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير.
ويوعز العارفون بخبايا العلاقات الدولية هذا التحول في الموقف الإسباني، إلى التدفق غير المسبوق للمهاجرين غير الشرعيين، الراغبين في الدخول إلى أوروبا عبر كل من سبتة ومليلية الواقعتين تحت السيادة الإسبانية، مما خلق أزمة داخلية لدى هذه الأخيرة ورهن أمنها الاقتصادي، منذ توتر علاقتها بالمغرب في أفريل المنصرم، وهذا بعد أن استقبلت مستشفياتها رئيس جبهة البوليساريو إبراهيم غالي على إثر إصابته بفيروس كورونا، وهو ما حتم على مدريد البحث عن سبل جديدة تمكنها من إعادة الود مع الجارة المغربية، لتتمكن من تفعيل التعاون الأمني بينهما، للحد من الهجرة غير الشرعية، وهذا من خلال استخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة في المياه الإقليمية المشتركة، فكانت قضية الصحراء الغربية هي بوابة إعادة المياه إلى مجاريها، على حساب فضية دولية عادلة تخص تصفية آخر مستعمرة في إفريقيا.
وفي جانب آخر يرى بعض المحللين أن ما صدر عن مدريد، يعتبر واحدة من انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية، للضغط على الجزائر المعروفة بالحياد في سياستها الخارجية، من أجل تغيير موقفها هي الأخرى والانضمام إلى القطب الغربي ضد حليفها التاريخي روسيا، وأيضا لدفعها إلى قبول إعادة تشغيل خط أنبوب غاز المغرب العربي – الأوروبي، الذي يموّن اسبانيا عبر المغرب، الذي قامت الجزائر بتوقيفه في أكتوبر الماضي، بعدما رفضت تجديد عقد التشغيل عبر هذا الخط، على خلفية توتر العلاقات بينها وبين المغرب في الفترة الأخيرة، على الرغم من الزيارة التي قامت بها نائبة وزير الخارجية الأمريكي "ويندي شيرمان" للجزائر لهذا الغرض من أجل التخفيف من الأزمة التي تعيشها أوروبا، التي كانت تتمون بنسبة كبيرة من روسيا، ولضمان مصدر تموين دائم في حال تقرّر فرض عقوبات على موسكو، لكن قوبل الطلب بالرفض.
