عند الجدات والأمهات كل أسرار وتفاصيل رمضان زمان، حكاياتهن لا تنتهي عن زمن رحل ورحلت معه اللذة والبركة والبساطة والرضى، رغم قلة الامكانيات وصعوبة الظروف كانت العادات والتقاليد مقدسة، في وصفات المطبخ وأوانيه البسيطة والجميلة من صينيات وملاعق وكؤوس وفناجين وصحون هي أغلى ما تملك ربات البيوت، على ذلك الصحن المزركش بالورود يلتف أفراد الأسرة على أكلة غنية رغم بساطتها، وفي فناجين صغيرة بوردة برتقالية وحمراء كانت تشرب القهوة المحمصة اللذيذة التي تنبعث رائحتها إلى سابع جار.
حسرة الجدات كبيرة على ما فقدنه من ميزات وخصوصيات رمضان في المطبخ وعلى مائدة الإفطار، قالت جدتي أنها كانت في رمضان فقط تخرج من خزانة الخشب البنية ملاعق الألمنيوم خفيفة الوزن وأجمل صحونها التي تخصص للضيوف والمناسبات، منها صحون الفخار المزركشة بالورود وصحون مصنوعة من معدن الحديد، صحن واحد مشترك لكل أكلة ولم تكن الأطباق تتجاوز الحريرة والمعقودة وسلطة الخس والطماطم والبركة عنوان كل مائدة كبرت من حولها أجيال على القناعة.
جدتي أصبحت تقرف مما وصفته بالفوضى في موائد اليوم، أشكال وألوان من الأواني، صحون بيضاء وسوداء، مستطيلة ومربعة، وملاعق وشوك ذهبية وفضية، وأدوات أخرى دخيلة عن المطبخ الجزائري وموائد طويلة تفرض على كل فرد الانفراد بصحنه، أما عن الأكل فمهما تنوعت وتعددت الأطباق تبقى بالنسبة إليها خاوية لا قيمة غذائية لها، لا تغني ولا تسمن من جوع، مشبعة بالدهون والمواد الإضافية والأسمدة. غابت صحون الجدات وانتهى عهدها لكنها تبقى الأجمل والأفضل مهما طال الزمن وتطورت معدات المطبخ العصري.