من ملامح "مرسم وهران "التي تغنى بها فنانوها منذ سنوات طويلة ، ترسم الباهية معالمها الدينية و الثقافية والاجتماعية وتجعل منها دليلا سياحيا يرافق كل زائر يقصد المدينة المتوسطية لأول مرة ، ومن عمق أحيائها القديمة التي يفوح منها نكهة رمضان الممزوجة بمعتقدات مميزة لإحياء الشهر الفضيل تختار وهران وحلاوة عطر ماء الزهر والعسل التي لا تفارق شوارعها طيلة رمضان لتصنع من يومياتها سلسلة على الهواء الطلق تستقطب فيها و من الوهلة الأولى كل يتوغل إليها من باب الفرجة أو التسوق .
صورة واضحة لخصوصية المنطقة تقدمها الباهية في لوحة تشكيلية شارك فيها كل سكانها عن مكانة وأهمية الضيف الكريم لدى الوهرانيين و مشاهد رمضان تشع نورا على الزوار الوافدين على الأحياء الشعبية التي لا تعرف النوم ولا السكون إلا متأخرا متمسكة بريقها وسط التوسعات السكنية الجديدة والنزوح نحو الشرق .
تتشبت وهران برموزها ومعالمها الاجتماعية والثقافية وتحرص على ترسيخها في الذاكرة القومية وتعمل على إبرازها في المناسبات الدينية والوطنية كجزء لا يتجزأ من تاريخها و تتغزل به على ركح مفتوح في ليالي رمضان مع متعة الولوج في عالم الموروث الشعبي الأصيل.
المعروف عن المدينة المتوسطية أنها تكتنز مسارات سياحية يغلب عليها الطابع الحضاري المتنوع بتنوع معتقداتها وتقاليدها ومحطاتها التاريخية و المعروف أن وهران تطل على واجهة جمعت بين الإرث المتوسطي وبين أعراف مستوحاة من عمق حضارتها وطقوس لا تأبى النسيان وتحارب كل أشكال الهيمنة التي قد تؤثر ولو من زاوية ضيقة عليها .
كل هذه المكتسبات أهلتها لتكون متحفا رواده أبناء وهران وتُحفه الأسواق الشعبية العريقة التي تروي بكل فخر واعتزاز أجواء رمضان وكيف تحيي هذه المناسبة العزيزة على الأمة الإسلامية ، وكيف تُبهر المتجولين الذين يقصدونها يوميا ، وكيف تتفنن في بسط نشاطها بطريفة فنية في غاية الجمال .
بنة رمضان في وهران لا تحلو إلا من عمق المدينة الجديدة وسيدي بلال ولاباستي ، هذه الفضاءات الثلاثة التي تشترك وتتفاعل لتقديم طبق تقليدي بحجم وسعة سياح وسكان المدينة ، و بنكهة مغايرة ورائحة طيبة نابعة من حرص شباب في العقد الثاني والثالث لإضفاء بصمتهم الخاصة على يوميات رمضان بهذه الأماكن .
من لا يزور أسواق لا باستي والمدينة الجديدة والحمري ويستمتع بذاكرة الحياة الاجتماعية في الشهر الفضيل يكون قد ضيّع فرصة التنقيب عن الثقافة الشعبية البسيطة واختزل مرحلة هامة من مراحل تاريخ المدينة .
فبمجرد ولوج سوق لاباستي يظهر للمتسوق فن البيع والشراء والصلة التي تربط التاجر بالزبون بين طاولات الخضر والفواكه التي اصطفت على طول الطريق ، أما فضاء سيدي بلال فقد اختار ساحة تتوسط طريق الصياغة لعرض مختلف أنواع الشامية التي اشتهر بها منذ عقود خلت والى يومنا هذا .
وغير بعيد عن هذا الفضاء نجد سوق الحمري العريق الذي تحيطه أحواش وبنايات قديمة لا تزال ترافقه لحد الآن وتتقاسم معه أحزانه وأفراحه وتتسوق من سلع تتباين وتتنوع بين الشربات والحلويات التقليدية التي تربعت على عرش حلاوة قعدات الشامية والشاربات .