الجزائر تسترجع مآسي التفجيرات النووية الفرنسية برڤان في ذكراها الـ 62

الجريمة ... تتفاقم بالتقادم

الجريمة ... تتفاقم بالتقادم
ثقافة
تحيي اليوم الجزائر الذكرى الـ 62 للتفجيرات النووية الفرنسية بمنطقة رڤان التي خلفت ضحايا وكوارث بيئية لازالت أثارها موجودة لحد الساعة، ومازال أهل المنطقة يعانيون من الاشعاعات التي تسببت فيها هذه التفجيرات التي راح ضحيتها 42 ألف جزائري حيث يقول الدكتور بوشيخي الشيخ حول هذه الذكرى الأليمة للشعب الجزائري :" في صباح الـ13 فيفري على الساعة السابعة و4 دقائق من عام 1960، استيقظ سكان منطقة رقان الواقعة بالجنوب الغربي الجزائري على دوي انفجار مهول، بلغت طاقة تفجيره 60 كيلو طن، ما يعادل 70 قنبلة كقنبلة مدينة هيروشيما مما جعل سكان المنطقة بمثابة حقل للتجارب النووية وتحويل أكثر من 42 ألف من المدنيين العزل، ومن المجاهدين المحكوم عليهم بالإعدام إلى فئران تجارب لخبراء فرنسا وجنرالاتها ". حسب مجلة "الجيش" الصادرة عن وزارة الدفاع لعام 2010 ، فإن 150 جزائريا استُخدموا كفئران تجارب في التفجير الأول، حيث عُلقوا على أعمدة في محيط التجربة لدراسة تأثير الإشعاعات على الإنسان، وحسب الكتاب الذي تضمن بحثا هاما بعنوان " التفجيرات النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية " التي أصدرته جامعة أدرار تحت اشراف مدير الجامعة البروفيسور أدجرفور نور الدين و البروفيسور بحماوي الشريف مدير المخبر القانون والتنمية المحلية و بمشاركة 18 باحثا، فإن التجارب النوويى التي أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية بين 1960 و1966، كانت لتعزيز قدراتها النووية، وتمكنت بفضلها من دخول نادي الدول النووية بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي وبريطانيا، فلقد خرجت فرنسا من الحرب العالمية الثانية منتصرة لكن كرامتها أُهينت، وبات شبح الاحتلال النازي وإمكانية تكراره على يد قوة أجنبية أخرى أكبر هاجس بالنسبة للقادة السياسيين، وانطلاقا من ذلك، عكفت فرنسا منذ 1954 على وضع برنامجٍ نووي اعتبِر بعثا لبرنامج نووي فرنسي طموح كان في مراحله الأولى عام 1939، لكن الاحتلال النازي وأده في المهد. وأمر رئيس الوزراء الفرنسي آنذاك بيير منديس فرانس ببدءِ إقامة مركزٍ للتجارب النووية في مطلع 1957، وكانت على رأس المواقع المرشحة لاستضافة المشروع الجزر الفرنسية في المحيطين الهادي والأطلسي (مثل لاريونيون وبولينيزيا ومروروا) التي ستحتضنُ لاحقا مراحل هامة من البرنامج النووي الفرنسي، لكنَّ عوائق لوجستية حالت دون إجراءِ التجارب في تلك الجزر البعيدة فبدأ التفكير في الصحراء الجزائرية الشاسعة والقليلة السكان. اليربوع الأزرق ... الشاهد الأول كان الجنرال "لافو" قد سبق وصرح أنّ اختيار منطقة رڤان لإجراء تجربة نووية، كان مبرمجا منذ شهر جوان 1957، وأنه قد شرع في توفير اليد العاملة التي يحتاج إليها المشروع خلال سنة 1958، لتصل في أقل من 3 سنوات إلى 6500 فرنسي و3500 جزائري ، كانوا يشتغلون ليل نهار لإجراء التجربة في أجالها المحددة. اليربوع الأزرق، اليربوع الأبيض، اليربوع الأحمر، تكون خاتمها اليربوع الأخضر، لقد سمحت هذه التفجيرات لفرنسا أن تعمل أكثر من أجل التنويع في تجاربها النووية في الصحراء الجزائرية، لتصل قوة تفجيراتها إلى 127 كيلوطن من خلال التجربة الباطنية التي نفذتها بمنطقة اين ايكر بالهقار. " أكدت الدكتورة نوال محمدي من جامعة تمنراست حول هذه الجريمة الإنسانية : "اذا صنفنا التفجيرات النووية الفرنسية بصحراء الجزائر فنعتبرها جريمة ضد الإنسانية بالنظر لما خلفته من آثار مدمرة على صحة الإنسان والبيئة، فمع بدء العمل في استكشاف فرص إجراء التجارب في المحيط الهادي أو الأطلسي، برز إشكال نقل المواد النووية والتجهيزات الحساسة إلى مواقع التجارب. ففي تلك المرحلة لم يكن الطيران قد بلغ من التطور ما يُمكّن من نقل الشحنات إلى لاريونيون أو مروروا أو بولينيزيا دونَ الحاجة إلى إجراءِ توقفٍ تقني في أرضٍ أجنبية، وهو أمرٌ مرفوض البتة لأسباب أمنية.في ضوءِ ذلك، وقع الاختيار على الصحراء الجزائرية القريبة نسبيا والتي ما زالت يومها تُشكل جزءا من فرنسا ما وراء البحار. وهكذا وقع الاختيار على منطقة "رقان" التي تقع بأدرار، وأُطلقت اشغال إقامةِ مضمار للتجارب في نوفمبر 1957. وتضيف :" سُميت التجربة النووية الفرنسية الأولى في الجزائر "اليربوع الأزرق"، وجرت يوم 13 فبراير 1960 تحت إشراف مباشر من الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول، وبلغت شدةُ التفجير الذي أُجري على سطح الأرض خمسة أضعاف التفجير الناتج عن قنبلة هيروشيما"، وتقول بعض الرواياتٌ التاريخية أن تكاليف القنبلة ذرية فرنسية بلغت مليار و260 مليون فرنك فرنسي، تحصلت عليها فرنسا من الأموال الإسرائيلية بعد الاتفاقية المبرمة بين فرنسا والكيان الصهيوني في المجال النووي و حتى أن خبراء إسرائيليين حضروا التجارب وربما شاركوا في الإعداد لها وإن كانت الرواية الرسمية الفرنسية تُكذب ذلك، كما لا توجد وثائق تُؤكد هذا الأمر. وبعد هذه التجربة الأولى، أجريت في الأشهر التالية ثلاث تجارب أخرى سُميت كذلك "اليرابيع". ورغم النجاح المطلق للتجربة، فإن فرنسا كانت في تلك المرحلة لا تزال متأخرة عن القوى الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي وبريطانيا. وكانت فرنسا تسابق الزمن قبل التوقيع على معاهدة الحد من التجارب النووية، كما كانت بوادرُ استقلال الجزائر تهدد استمرار البرنامج النووي الفرنسي. وفي ضوء هذه المعطيات، عمل ديغول على تسريع وتيرة البرنامج خاصة منذ 1961، إذ تم في نوفمبر إجراء أول تجربة نووية تحت الأرض في منطقة "عين إكَّرْ" بتمنراست جنوب رقان. وبين ذلك التاريخ وفبراير 1966 أُجريت 13 تجربة نووية. وقد اعترفت فرنسا بأربع تجارب في منطقة رڤان و 13 تجربة في عين إكّرْ بتمنراست، لكن الباحث وأستاذ الفيزياء والكيمياء النووية في جامعة وهران المرحوم كاظم العبودي (مؤلف كتاب "يرابيع رڤان ") أفاد بأن فرنسا أجرت 57 تجربة نووية بالجزائر، وأن المنطقة الصفرية بين تفجير وآخر كانت مسافتها أقل من 150 كلم، مما جعل الجو مشبعا بالإشعاع النووي " . تشوهات خلقية تلاحق المواليد إلى اليوم رغم استقلال الجزائر والإدانات المتكررة للتجارب من قبل الحكومة الجزائرية المؤقتة، فإنَّ اتفاقيات إيفيان -التي وقعت بين الجزائر وفرنسا بعد مفاوضات بين 1960 و1962- ضمنت بنودا سرية تُتيح لفرنسا إمكانية الاستمرار في استغلال المواقع النووية لفترات تتراوح بين 5 سنوات برقان و20 سنة (بقاعدة الصواريخ في كولومب بشار). وواصلت فرنسا إجراء تجاربها وبحوثها النووية إلى منتصف 1966، ونقلت بعد ذلك مكونات البرنامج النووي إلى الجزر الفرنسية في الأطلسي والمحيط الهادي. لقد أضرت التجارب النووية الفرنسية بالبيئة والإنسان في الجنوب الجزائري، وظهرت تشوهات خلقية على نطاق واسع بمناطق الصحراء الجزائرية التي شهدت التجارب. لكن السلطات الفرنسية قللت من شأنِ ردة الفعل الشعبية وحتى السياسية، من خلال ترويج المخابرات الفرنسية لأسطورةِ القنبلة النظيفة التي أقنعت حتى الخبراء والتقنيين والعسكريين الفرنسيين الذين عملوا في مواقع التجارب. ولم تبادر فرنسا بتنظيف المنطقة من الإشعاع النووي الذي تبقى أضراره آلاف السنين بحسب المرحوم كاظم العبودي، الذي صرح في عدة لقاءات إعلامية وعليمة بأن "التجارب الفرنسية بالجزائر استخدمت اليورانيوم الذي تبقى آثاره 24400 عام، كما استخدمت البلوتونيوم الذي تستمر آثاره 4.5 مليارات عام".وفي السياق، أفاد تقرير فرنسي سري بأن باريس عرّضت جنودها عمدا لإشعاعات التجارب النووية في الجزائر لمعرفة آثارها على الإنسان. حسب التقرير - الذي حصلت عليه وكالة الأنباء الفرنسية من مسؤولين عسكريين لم تسمهم ويعود إلى 1998- فقد أرسلت فرنسا جنودا إلى مواقع تجرى فيها التجارب في صحراء الجزائر بين 1960 و1966 لدراسة " الآثار الجسدية والنفسية للسلاح الذري على الإنسان ". و تقدمت في تجربة أجريت عام 1961 قوة راجلة وبعضها داخل شاحنات إلى مسافة بضع مئات الأمتار من مركز التفجير، بعد أقل من ساعة من حدوثه. وقال التقرير إن الجنود منحوا 45 دقيقة لحفر مواضع قتالية في الأرض الصحراوية الملوثة بالإشعاع، ولم يكن لديهم ما يحميهم إلا النعال العسكرية والقبعات والقفازات وأقنعة الوجه البسيطة. وأضاف التقرير أن الجيش قال حينها "يبدو من النتائج أن المقاتل قادر جسديا على الاستمرار في القتال حتى على بعد 800 متر من النقطة الصفر وخارج منطقة السّقط (الغبار النووي المتساقط)".وفي سياق التحركات الجزائرية لمقاضاة فرنسا على تجاربها النووية، راسلت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان ، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، من أجل جر السلطات الفرنسية للمحاكمة في كل الهيئات الدولية، وفي الاتحاد الأوروبي و لازالت الجريمة مأساة في صفحات التاريخ . طالب الدكتور بوشيخي الشيخ السلطات العليا كإقتراح، بأنه يتعين إدراج هذه التفجيرات النووية ضمن البرنامج الدراسي بالمؤسسات التربوية كجزء هام من الذاكرة التاريخية للوطن. وأشار الى أن المخلفات الإشعاعية الناجمة عن تلك التفجيرات النووية برڤان لا تزال تشكل كابوسا مرعبا يؤرق الحياة اليومية لسكان المنطقة.

يرجى كتابة : تعليقك