سطرت سينماتيك وهران برنامجا خاصا بمناسبة الذكرى 61 لعيدي الاستقلال والشباب، حيث كان أمس عشاق الفن السابع على موعد مع أشهر وأبرز العروض السينمائية الثورية التي تروي تاريخ الجزائر واستماتة الشعب الجزائري الأبي في سبيل الظفر بالاستقلال، ومن بين الأفلام التي تابعها الجمهور الوهراني فيلم " البئر" للمخرج لطفي بوشوشي الذي صدر سنة 2016، والذي برهن أنه و بالرغم من مرور أكثر من 5 عقود، إلا أن الثورة الجزائرية لا تزال تلهم السينمائيين والكُتاب والمخرجين وغيرهم من النخب، ويبرز الفيلم الثوري " البئر" كفاح الجزائريات ضد المستعمر الغاشم، حيث يطرح وعلى مدار 90 دقيقة المعاناة التي عاشها سكان إحدى القرى الصغيرة الذين كانوا في معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، لأن الشباب والرجال كانوا قد التحقوا بجبهة التحرير، أو استشهدوا، وكانت معاناتهم الحقيقية قد بدأت حين كانوا يحاولون الحصول على المياه لهم ولحيواناتهم.
وقد حاول المخرج لطفي بوشوشي أن يبرز في عمله السينمائي " البئر" مظاهر الحياة اليومية الصعبة لمجتمع نسوي غاب عنه الرجال، وهي الفرصة التي انتهزتها الفرق العسكرية الاستعمارية لتقوم بمحاصرة القرية وسكانها المغلوبين على أمرهم لمنعهم من التزود بالماء أو الاقتراب من البئر الوحيد بالقرية، فكانوا يطلقون النار على كل من يتوجه نحو المكان، كما سلط المخرج الضوء على المعاناة التي عاشتها النسوة في هذه القرية بسبب ثقل المسؤولية المُلقاة على عاتقهن في ظل غياب الرجال، كما يروي فيلم " البئر" في عدد من المشاهد المؤثرة نفاذ مخزون المياه لدى الأسر، وظهور علامات الجفاف على أجساد الصغار ومحاولة النسوة الاتحاد فيما بينهن، وفك الحصار المقام عليهن للوصول إلى البئر الذي رمى فيه جنود الاحتلال جثث الشهداء حتى يمنعوا أهل القرية من الاقتراب.
ونظرا لتوفر عناصر النجاح بهذا الفيلم الروائي فقد تم اختياره لتمثيل الجزائر في مسابقة الأوسكار، حيث حصد على 11 جائزة عربية ودولية، منها 4 جوائز في «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط» وجوائز عربية وعالمية أخرى، خصوصا أن المخرج الجزائري لطفي بوشوشي يحمل رؤية سينمائية تقوم على تصدير سينما الثورة الجزائرية بصورة يفهمها الجيل الجديد، ويمكنه التأثر بها ،ويعمل في هذا الإطار على إعادة الاعتبار لصمود الشعب الجزائري في تلك الفترة من التاريخ، ويعد فيلم" البئر" أقل الأفلام تكلفة من بين الأفلام التي موّلتها وزارة الثقافة، حيث يقول بوشوشي إنه نجح في تقليص موازنة الإنتاج بفضل تعاون وتفهم الممثلين والتقنيين، كما يعتقد أن فيلمه ليس ثورة في مجال الأفلام التاريخية الثورية، بل هو مجرد صفحة جديدة بإمكانها إحداث الفارق والتأثير في نظرة الأجيال للحقيقة التي عاشها الجزائريون إبان الثورة التحريرية المجيدة.
وإلى جانب فيلم " البئر"، فقد تم برمجة أيضا فيلم " الأفيون والعصا" الذي أنتجه الديوان الوطني للتجارة والصناعة السينيماتوغرافية سنة 1969 لمخرجه أحمد راشدي، وفيلم "الخارجون عن القانون" للمخرج رشيد بوشارب الذي تدور أحداثه بين سنتي 1945 و1962، وهو يحكي قصة 3 إخوة جزائريين يعيشون في فرنسا بعد أن نجوا من أعقاب مذبحة سطيف، إضافة إلى الفيلم الشهير "أبواب الصمت" لمخرجه عمار العسكري الذي يتناول قصة الشاب الأبكم الذي نجا من وحشية الاستعمار الفرنسي، وسلسلة الاعتقالات التي نفّذتها الفرق الفرنسية في حق الشعب الأعزل ومحاولات هذا الأخير المستمرة في الوصول إلى الخيط الذي يمكنه من الالتحاق بجبهة التحرير الوطني، وفي الأخير يستشهد، ولا يتم ذكر اسمه للأسف ضمن قائمة الشهداء عقب الاستقلال، لأنه لم يكن يعرفه أحد.