نظمت ندوة حول مسارات التصوف وتجلياته الاجتماعية والفنية، يوم الخميس بالمكتبة الوطنية بالجزائر العاصمة، نشطها عدد من الأكاديميين والصحفيين الذين أبرزوا "التأثير الكبير" للتصوف في الحياة الاجتماعية والفنية في الجزائر وبلاد المغرب والعالم الاسلامي.
وقدم في هذا الإطار عبد العزيز رأسمال مداخلة بعنوان "الألفية الروحية في التصوف" عاد فيها إلى "الدبلوماسية البارعة للرسول في التعامل مع كفار قريش ويهود المدينة المنورة", معتبرا أن الألفة الروحية "تقليد إسلامي ابتدأ مع الرسول وتجسد خصوصا من خلال وثيقة الحديبية مع كفار قريش ووثيقة المدينة المنورة مع يهودها والتي وضع من خلالها أسس الدولة الإسلامية".
وأضاف المتحدث أن "الرسول كان يتمتع بحسن الخلق والتدبير, وقد تمكن بفضلهما من أن يكسب قلوب الناس, وهذا سر انتشار الرسالة المحمدية, وبعدها جاء أولياء الله الصالحين والمتصوفة الذين استطاعوا مواصلة هذا التقليد وتمكنوا بدورهم من أن يكسبوا قلوب الناس فانتشرت بذلك حركة التصوف عالميا حتى أن نخبة من العلماء والمفكرين في الغرب اعتنقوا الإسلام بفضل التصوف", مؤكدا على أن "روح الاسلام مسامحة ومحبة ومتسامحة ..".
وتطرق من جهته الصحفي مهدي براشد إلى "البعد الصوفي في فن اعمر الزاهي" معتبرا أن مغني الشعبي الراحل الزاهي "غنى لمفاهيم روحية أكثر من ها دنيوية من خلال استعماله التشبيه والكنايات والاستعارات التي وظفها في فنه", قائلا أنه "شخصية فنية لها بعد روحي وذات قيمة في المخيال الشعبي".
وعرج المتحدث في سياق كلامه على "المقومات الروحية للجزائر العاصمة" وكذا "البعد الروحي الذي ارتبط به سكانها منذ العهد العثماني, وارتبط به أيضا فنهم على غرار الشعبي", مضيفا أن هذا الفن "في أغلبه عبارة عن مدونة شعرية دينية تمتد من القرن السادس عشر وإلى غاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين".ولفت براشد إلى أن هذه المدونة الشعرية الدينية "تجلت في الأعراس والأفراح وأيضا في مقامات الأولياء الصالحين والأعياد والطقوس الدينية من خلال الموسيقى ..".
وفي مداخلة بعنوان "التصوف والمقاربة العلمية" اعتبر الأكاديمي رشيد بوسعادة أن التصوف "نظام حياتي مبني على أساس روحي يربط بين الجانب الملموس الدنيوي والعالم الروحي, ويتميز بالتسامح ومختلف الأشياء التي تربط الروح بالمادة ارتباطا كليا", كما قال. وأضاف المتحدث أن "التصوف من الناحية العلمية الأكاديمية ظاهرة دينية من إنتاج المجتمع يمكن أن تطبق عليها المناهج الأنثربولوجية, فالتصوف له لغته ورموزه و دلالاته ..", معرجا في سياق كلامه على "دور الزوايا كمؤسسات دينية تستند قوتها من التصوف". وأشار بوسعادة إلى أن هذه الطرق الصوفية "دافعت عن الجزائر والمغرب العربي من خلال المقاومات الشعبية كمقاومة الأمير عبد القادر", كما قدمت "منهجا تربويا وتعليميا خاصا بها, فالطرق الدينية في المغرب العربي هي أدخلت الجانب الاجتماعي في الزوايا على عكس نظيرتها في المشرق العربي".
وتدخل هذه الندوة, التي نظمتها المكتبة الوطنية, في إطار برنامج وزارة الثقافة والفنون لشهر رمضان, وكانت جلسة أولى حول هذا الموضوع قد عالجت مسارات التصوف وتجلياته السياسية والروحية والمعرفية.