رمضان يربينا وينمينا

غزو العقول

غزو العقول
رمضانيات
قبل سنين، كانت هناك ظاهرة عامة نراها في وسائل النقل و قاعات الانتظار خلال رمضان ، و هي قراءة القرآن الكريم في مصاحف جيب صغيرة أو متوسطة الأحجام يأخذها الناس معهم في تنقلاتهم لاغتنام تلك الأوقات البينية في نيل الأجر و زيادة فرص ختم القرآن الكريم قراءة أكثر من مرة خلال شهر القرآن و التوبة و الغفران. و كانت هذه الظاهرة منتشرة بين الشرائح المختلفة و المراحل السنية المتنوعة من مراهقين و مراهقات و راشدين وراشدات ،يحرصون على استغلال مثل تلك الفترات فيما يفيد و ينفع.. لكن الملاحظ في هذه الأيام أن المنتشر بين الأيدي، قبل رمضان و أثناءه و بعده هو الهواتف الذكية، تلك الأجهزة الصغيرة التي غزت حياة الناس، صغارا و كبارا، رجالا و نساء، عمال، بطالين ، طلبة ، تلاميذ، أطفال في سن الابتدائي.. هواتف مرتبطة بشبكة الانترنت العالمية ، فتصبح ليس مجرد أداة للاتصال الصوتي مع الغير ، و لكن وسيلة إبحار غير محدود تتيح البحث عن أي معلومة يريدها الانسان كما تتيح البقاء في جو الألعاب و الأغاني و الأفلام و المسلسلات التي لا تنتهي. إنها أداة اتصال و مصدر معلومات للباحث، و بئر بلا قاع للعابث. و لم ينج من ذلك حتى الأصغر سنا؛ فقد اضطررت أكثر من مرة للحديث مع آباء و أمهات خلال تنقلي بالحافلة أو القطار عندما لاحظتهم يتركون أبناءهم حتى في سن الروضة يشاهدون برامج أو يلعبون بالهاتف، لساعات، و هذا طيلة أيام الأسبوع بالنسبة للبعض. من هنا يأتي الإدمان المبكر و التدمير الشامل للقدرات . كنت أقول لهم أن هذا غير صحي بالنسبة لأبنائهم ، سيؤذي أعينهم الضعيفة ،و عقولهم التي لا زالت تنمو و تحتاج إلى رعاية، و مهاراتهم الحركية التي لن يساعدها هذا السلوك، ثم ذكائهم و انتباههم سيتأثر...،ثم سيدمنون فتندمون، و أقوال الأطباء و المختصين...فيستمعون لي حينها و يقولون للصغار: "سمعتم ما قاله الرجل، هات الهاتف" ؛ لكن في الغد يتكرر معهم نفس المشهد للأسف، فأجد نفسي أكف عن الكلام لقلة اهتماماهم و لامبالاتهم، أو فقدانهم للسيطرة على الموقف حين يبدأ أطفالهم بالبكاء احتجاجا على المنع. و أنا هنا أكرر و أؤكد على ضرورة تجنب إعطاء الهاتف للأطفال في سن مبكرة مهما كانت الظروف، و ربما نعود لهذا الموضوع مستقبلا بحول الله. من جانب آخر كثيرا ما تجد نفسك بالقرب من شباب ذكور و إناث يضعون سماعاتهم و يستمتعون بمختلف أنواع الفديوهات و الموسيقى و الأغاني التي منها الصاخبة و التي قد تصلك على بعد أكثر من متر بشكل واضح و مزعج، فأتدخل بالنصح منبها لهم أن هناك غشاء رقيقا جدا في الأذن يسمى الطبلة قد يتعرض للأذى بفعل الأصوات المرتفعة و أن هذه السماعات قد تتحول إلى مثقاب إذا رفعنا أصواتها أكثر من اللازم حتى يصل ما نسمعه للآخرين. و الحق يقال أنهم كانوا حينها إما يخفضون الصوت أو يتوقفون عن ذلك في الحين، لكن هل تركوا تلك العادة؟ الأكيد أن هناك جهلا فظيعا بمثل هذه المضار و آثارها السلبية على صحة أبنائنا الجسدية فضلا عن المساوئ الأخلاقية المرافقة لمحتوى تلك المقاطع المسموعة و المرئية كما سنرى لاحقا بحول الله. لكن من الجميل حقا لو تعود تلك الصورة الرائعة للمصاحف في الأيدي في مختلف الأماكن، أثناء الانتظار و التنقل خاصة في رمضان ، لعلنا نأخذ بعض الحسنات و البركة مع ما نستفيده من العبر و العظات. جعلنا الله و إياكم من أهل القرآن .

يرجى كتابة : تعليقك