[ولتنظر نفس ما قدمت لغد]

[ولتنظر نفس ما قدمت لغد]
رمضانيات
إن الله عز وجل يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }سورة الحشر الآية 18 دعونا نتساءل أولا فنقول : كم من نفس ساهية لم تنظر ما قدمت لغد ، لأنها انطمست بصيرتها حين استهواها بريق الذهب ولمعان الفضة ، فشحت وبخلت بما عندها ، وقبضت يدها عن العطاء والإنفاق، حتى أتاها اليقين ؟! وكم من نفس لاهية لم تنظر ما قدمت لغد ، لأنها انغمست في ظلمات الشهوات ، ومستنقع الملذات فزاغ بصرها وضلت طريقها ؟! ثم لنعد إلى الآية الكريمة ونتأمل خطاب الله. إن الله تعالى وجه خطابه ابتداء للمؤمنين فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ } : لقد نادى أهل الإيمان به، وأهل طاعته ، وأمرهم بالتزام خلق التقوى في سرهم وعلانيتهم . توجه القرآن الكريم بالخطاب في الآية للمؤمنين، ليهتف بهم باسم الإيمان، وليناديهم بالصفة التي تربطهم بربهم الرحمن، محبة فيهم وشفقة عليهم، فتتيسر عليهم الاستجابة لتوجيهه وتكاليفه. ولقد بين القرآن الكريم في آيات عدة الآثار الطيبة والعطايا الجزيلة التي تترتب على تقوى الله في الدنيا والآخرة، فقال تعالى : {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ.} وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.} وقال- سبحانه-: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ.} إلى أن قال- عز وجل-: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ، فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ.} هذه وصية الله لنا معاشر المؤمنين، وصية لأنفسنا بالتقوى في شهر التقوى ، ممن هو أرحم بنا من أمهاتنا، وأحن علينا من أنفسنا. ثم توجه سبحانه بالخاطب للنفس البشرية فقال تعالى : {وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ} إن النظر يقتضي الفكر والفكر يقتضي التخطيط والتخطيط يقود إلى العمل والمقصود بالعمل هنا العمل من أجل الآخرة، والآخرة خير وأبقى بلا شك . لقد أمر النفس بأن تنظر لغدها، ماذا أعدت له ؟ أمر هذه النفس أن تنظر ليوم الميعاد الذي سيحاسبها الله فيه عن كل ما قالت أو عملت ، ثم يجازيها عن الإحسان إحسانا وعن السوء سوء ، فالجزاء من جنس العمل. دعونا قليلا مع:{ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ } الغد هو المستقبل الذي نخطط جميعا من أجله ، ونحسب له ألف حساب ، فنسعى ونجد ونجتهد ونكدح ليل نهار آملين في تأمينه، ولكن أي مستقبل هذا الذي نخطط له ؟!! طبعا لا أحد يعترض على أن يخطط الإنسان ، ويسعى من أجل مستقبله ، في الحياة الدنيا، ولكن أليست الآخرة مستقبلنا الحقيقي، أليست هي كذلك جديرة بأن نخطط لها ونعمل لها؟! كم نمضي من أعمارنا على مقاعد الدراسة لتحصيل الشهادات من أجل تأمين المستقبل في الدنيا ؟! وكم نمضي في العمل والوظيفة من أجل جمع المال لمستقبلنا في هذه الحياة ؟ ومقابل ذلك كم خصصنا من أوقاتنا من أجل تأمين حياة الآخرة التي هي أطول وأبقى؟ وهي الحياة الدائمة الحقيقية الأبدية ؟ أما تستحق منا آخرتنا أن نخطط لها، وأن نبدأ في التحضير لها من الآن؟ أما تستحق أن نبذل من أجلها الوقت والجهد والمال؟ فواعجباً لابن آدم يخطط للحياة الفانية،!!! وينسى الحياة الباقية التي هي مستقبله الآتي لا محالة!!! كم منا من نذر نفسه للوظيفة مخلصاً في عمله مجتهداً بكل ما أوتي من قوة يسابق الطير في بكورها ولا يعود إلا والظلام يسوقه ، يعمل بلا كلل ولا ملل يشار إليه بالبنان في الجد والاجتهاد، ويضرب به المثل في الدوام والانضباط ، ولكنه كالمفقود ! إن تحسسته في أعمال الخير من كفالة يتيم ، أو نصرة مظلوم، أو رعاية محتاج، أو إيواء مسكين، أو إطعام جائع ،أو كسوة عار، لم تجد له في ذلك حظا أو نصيبا . أيها الصائمون هل امتثلنا لأمر ربنا وهو العالم بما يصلح حالنا ومآلنا. هل وقفنا مع أنفسنا وقفة تأمل في لحظة محاسبة وتفكرنا في أعمالنا كم منها نعمله من أجل الآخرة؟ وهل بإمكاننا أن نقدم أحسن وأكثر ؟ ما هذه إلا تذكرة عسى الله ينفعنا بها جميعا آمين

يرجى كتابة : تعليقك