يقول الله عز وجل : {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا }سورة الشمس
الآيات 6-10.
لقد سجل القرآن الكريم النفس الإنسانية على أنها تحمل بذرتين اثنتين واحدة للخير وأخرى للشر ، وإن كل حركة نؤديها وكل كلمة نقولها وكل عمل نعمله وكل مسعى نسعى إليه إنما هو في الحقيقة سقيا لإحدى البذرتين ، يعود على أنفسنا إما بالصلاح والتزكية إن كان خيرا وإما بالسوء والخيبة أن كان شرا ، قال الله تعالى:{ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } سورة الزلزلة الآيتان 7- 8 إن سلوكاتنا إما أن تكون سببا في إسعاد أنفسنا، أو في شقائها لا قدر الله ، فالله عز وجل لم يخلق الإنسان معصوما من الخطأ والزيغ والغفلة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:( كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ) لذلك كان لزاما علينا أن نسعى بأنفسنا إلى التدرج في مقامات الطاعة والعبادة نبتغي الكمال الإنساني من خلال العمل على تزكية أنفسنا بتوفيق من الله.ولقد يسر الله لنا أسباب التزكية والتقوى بالعبادة والطاعة كل أيام السنة ، وخاصة في شهر رمضان الفضيل حيث جعل الصيام خير معين لنا على طهارة أنفسنا من المعاصي والذنوب والإرتقاء بها إلى مقام التقوى ،قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} سورة البقرة الآية 183 .
إن الصيام وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بانه ، نصف الصبر، والصبر أعظم ركيزة نعتصم بها في مواجهة تسويل النفس واستسلامها لهواها،و وسوسة الشيطان لها . وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام : (من يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ) أي من جاهد هواه وصبر على تسويل النفس وخالف هواها رزقه الله صبرا، ومن عف نفسه عن الحرام أعانه الله على ذلك ووفقه .
إن جهاد النفس هو أعظم طاعة تقودنا إلى رحاب رضوان الله بشرط أن لا نتوانى ولا نفتر ولا نلين ، فالثبات على الطاعة هو ما أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم قال تعالى: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} سورة الحجر الآية 99. نداوم على طاعة الله ونصبر حتى نلقى الله تعالى على تقوى وطهارة وتزكية نفس ، وعندها نحضى باستقبال الملائكة فترحب بنا قال تعالى :
{الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ ۙ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة النحل الآية 32 إنها سجالات شاقة بيننا وبين أنفسنا من أجل أن نجرها من حال إلى حال خير منه، ومن مكانة إلى مكانة أرفع وأعلى، إن هذه الجهود تضاف إلى سجل طاعاتنا لله رب العالمين، وتوضع يوم القيامة في كفة حسناتنا فترجح .
ولعلنا لا نجانب الصواب إذا قلنا من منا نجا فلم يسمع يوما حديث نفسه وهي تزين له المعصية؟ ومن منا لم يتعرض لوسوسة الشيطان وهو يحضه على المخطيئة ويدفعه إلى السيئة ، فهنا يفر المؤمن من كل ذلك إلى رحاب الصوم عملا بوصية الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيما رواه عَنْه أَبو هُرَيْرَةَ : (إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ )مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. فعلينا أن نحذر حتى لا نخسر معركتنا حين جهاد النفس والشيطان، فتفوتنا الفرحتان بالجائزة التي وعدنا بها نبي الله عليه الصلاة والسلام ، الفرحة بالعيد والفرحة بلقاء الله عز وجل. ولله در الشاعر حين قال:
والنفس كالطفل إن تهملهُ شبَّ علــــى حب الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطــــم
فاصرف هواها وحاذر أن توليــــــــــه إن الهوى ما تولى يصم أو يصـــــم
وراعها وهي في الأعمالِ ســــــــائمةٌ وإن هي استحلت المرعى فلا تسم
كم حسنت لذةً للمرءِ قاتلــــــــــــــــــة من حيث لم يدرِ أن السم فى الدسم
إلى أن قال لنا مبينا ومحذرا وناصحا :
وخالف النفس والشيطان واعصهمــا
وإن هما محضاك النصح فاتَّهِـــــم
ولا تطع منهما خصماً ولا حكمـــــــــاً فأنت تعرف كيد الخصم والحكـــــم
أستغفر الله من قولٍ بلا عمـــــــــــــلٍ لقد نسبتُ به نسلاً لذي عُقــــــــــُم.
وفي لقرآن الكريم يبين الله عز وجل حال ومصير من سار وراء هواه وعصى ربه وانغمس في الشهوات فقال تعالى:
{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ۚ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ۚ ذَّٰلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} سورة الأعراف الآية 175.
فاللهم قنا شر هذا المصير المشؤوم الذي أعده لكل من يركن إلى نفسه ويتبع هواه .
ربنا آت أنفسنا تقواها وزكها انت خير من زكاها انت وليها ومولاها ، والحمد لله رب العالمين .