ولد الشهيد بن طيب محمد المدعو سي عبد الكريم سنة 1925 بدوار بلخرّاج ببلدية مولاي سليسن ولاية سيدي بلعباس، نشأ وترعرع في وسط عائلة معوزة، تعلّم مبادئ اللغة العربية وحفظ ما تيسر من القرآن الكريم في الكتاتيب، ولما صار مراهقا دفعته ظروف الحياة القاسية إلى العمل في الرعي وتجارة المواشي بحكم أن طبيعة المنطقة رعوية، رافضا التجنّد مع الاستعمار، ثم تزوج وأنجب 5 بنات، ولما اندلعت ثورة التحرير انضم إلى صفوف ثورة التحرير هو وثلة من أبناء قريته سنة 1957 بالناحية الثالثة المنطقة الخامسة الولاية الخامسة التاريخية تحت قيادة جبور جلول المدعو سي عبد القادر كمسبّل، كانت مهمّته في البداية ربط الاتصال بين جيش التحرير والمدنيين وذلك قبل أن يعهد إليه مهمة تنظيم المدنيين داخل النسيج الحضري بسيدي بلعباس، حيث قام بتشكيل مراكز المجاهدين وحفر المخابئ وجمع الاشتراكات والمؤونة والأدوية وإنشاء أفواج فدائية ضد الخونة المعمرين وضد جنود الاحتلال وفي هذا السياق تقول المجاهدة داني الكبير سعدية المدعوة ثوريا محجوبة أنها كانت تعمد إلى إخراج الأدوية بطريقة سرية من مستشفى مدينة سيدي بلعباس الذي كانت تشتغل به كممرضة وتذهب بها إلى سي عبد الكريم في نواحي تسالة فيقوم هو بدوره بتزويد جيش التحرير الذي كان تحت قيادة جبور جلول المدعو سي عبد القادر بهذه الأدوية .وفي فترة وجيزة تمكن من كسب ثقة القيادة بالمنطقة الخامسة التي كان قائدها سي بلحسن ( بن دحو عمارة ) فأصبح من المحاربين المتمرسين في ادارة العمليات العسكرية، حيث خاض عدة معارك خرج منها منتصرا منها معركة جبل الحديد بناحية القور وهذا ما أهله لأن يتقلد رتبة ملازم . وبعد استشهاد قائد الناحية الثالثة سي عبد القادر في 06 / 12 / 1960بنواحي عين الثريد تقلّد سي عبد الكريم قيادة هذه الناحية وعيّن الشهيد بدّاد يحي المدعو سي فريد كاتبا له وبعد استشهاد هذا الأخير عيّن الشهيد زواوي قدور المدعو سي حفيظ كاتبا نظرا لمستواه العالي عرف سي عبد الكريم كيف يفلت من قبضة العدو في كثير من المرات وبخاصة المكتب الثاني ( 2 ‘eme bureau ) والمكتب المختص للجيش الفرنسي بسيدي بلعباس بفضل دهائه وذكائه الفائق، ومما تفرّد به هذا البطل الشهيد أنه لم يكن يشد ّانتباه السلطات الاستعمارية بسبب لجوئه في كل مرة إلى تغيير هندامه و لباسه ليظهر بمظهر مغاير حتى لا يتفطن له الاستعمار، تارة يرتدي لباسا عصريا مع ربطة عنق وتارة أخرى جلابة وطورا يلبس سروالا تقليديا مع عمامة وتكثيف اللحية وفي بعض المرات يتنكر في لباس نسائي ( الحايك ) لأجل التخفي . وهو الأمر الذي جعله يستمر في النضال داخل النسيج العمراني بسيدي بلعباس دون أن يتفطن إليه الاحتلال .سي عبد الكريم كان يتفقد بالمدينة الأفواج الفدائية التي أنشأها ونظمها عبر الأحياء باشراف كل من مغوفل قدور المدعو سي عبد العزيز ودراع فاطمة المدعوة نورية وحمبلي محمد وخيرة النبيّة المدعوّة شادية وبن حنيفية سعيد وكريبيش الطيب كما كان يتكفل بجمع الأموال لتسيير شؤون الثورة ويذكر هنا مجاهدون ممن عايشوه أنه جمع مالا كثيرا من الاشتراكات التي كان يدفعها الجزائريون، بعد أن وسع عملية الجمع لتشمل أولئك الذين لم يكونوا يدفعونها من قبل، ما ساهم بشكل ملموس في تمويل الثورة إلى درجة أن المناطق الأخرى كانت تطلب منه دعمها ماليا كما كان يكتب التقارير المفصلة عن أحداث الثورة ثم يبعث بها إلى قيادة الولاية الخامسة.هذا منذ تولّيه قيادة الناحية الثالثة انتظم ونشط العمل الفدائي بمدينة سيدي بلعباس وتزايد عدد الأفواج وتضاعفت العمليات الفدائية التي تكبد العدو من جرائها خسائر مادية وبشرية الأمر الذي أقلق سلطات الاحتلال فكرست جهودها للقضاء عليه لكنها لم تفلح لما عرف عنه من دهاء وصرامة وقوة الشخصية ومعرفته أين يضع قدماه وينجو من المكائد التي نصبت له في العديد من المرات علاوة على تغيير هندامه ولباسه في كل مرة كما سبق الذكر وهكذا استطاع الصمود بالناحية الثالثة التي كان يديرها لمدة 5 سنوات رغم التواجد الكثيف لقوات اللفيف الأجنبي ليدرك اتفاقية إطلاق النار في 19 مارس 1962 .سي عبد الكريم ارتقى الى ربّه شهيدا في اشتباك وقع بدوار العمارنة ( الحلايشة) يوم 26 أبريل 1962 وسلاحه في يده بعد أن تمّت محاصرته هو وعدد من المجاهدين. وحسب رفقائه في السلاح كان دوما يتمنى الاستشهاد في سبيل الوطن