قبل سنوات تم دعوة مجموعة من الشباب الناشطين في العمل الخيري والتربوي الى ندوة شبابية تبدأ بعرض فيلم عربي ثم تليه مناقشة القضايا الفكرية و الاجتماعية التي تناولها.
بعد بداية الفلم بدقائق احمرت الوجوه و جحظت الأعين غضبا و حياء لتوالى اللقطات و الإيحاءات الخادشة للحياء، فبدأ صدور أصوات الكحة و الانزعاج، ثم قام شخص فاثنين حتى قام الجميع لمغادرة القاعة امتعاضا من قلة الذوق و قلة التربية التي طفحت بها تلك الدقائق المعدودة ..ما يوحي بأن ما بعدها قد يكون أسوأ بكثير، ففضل كل المتواجدين في القاعة المغادرة غير ملتفتين لطلبات المنظمين بالهدوء و الجلوس.
أمام هذه الحركة اضطر القائمون على النشاط لإيقاف العرض و إشعال الأضواء و دعوة المغادرين للتريث لمناقشة ما حدث.
جلس الجمهور مرة ثانية لكن هذه المرة كان على المنصة احد المنشطين ، و الذي أبدى استغرابه من ردة فعل الحاضرين الذين في نظره لم يصبروا على بعض اللقطات العابرة و فوتوا رسالة الفلم و معناه العام و أهدافه الكبيرة ..موضحا أن ما رأوه إنما هو من الواقع الموجود و الذي نشاهده كل يوم في حياتنا ويومياتنا؛ وأنه لا داعي لادعاء البراءة و الصفاء و المثالية ، كما أن ما يتم عرضه مجرد تمثيل و لا يتجاوز الحدود الحمراء.
لكن كل القاعة كانت ترى غير ذلك تماما، فأوضح المشاركون أن عرض المفاتن و القبلات و المداعبات و العبارات السمجة و العفنة ليس شيئا لازما و ضروريا لتقديم رسالة مفيدة و نافعة للمجتمع؛ ويمكن تناول المشاكل الاجتماعية بشكل لائق اكثر و مناسب للمشاهدة من طرف أشخاص محترمين و خصوصا انهم من الجنسين..
كما انهم جمهور متعلم و واعي و مثقف و تكفيه الكناية و الاستعارة و المجاز لتلقي الرسالة التي تشير إلى الممارسات و السلوكات الفاسدة، و أنهم ليسوا مضطرين للتنازل عن قيمهم و أخلاقهم فيشاهدوا ما تم عرضه عليهم مما يعتبرونه غير مقبول، ليرضو مزاج و هوى أشخاص معقدين بالجنس و الانحراف لا يرون الفن إلا عاريا عربيدا متحررا من كل القيود.
إنهم أحرار ومسؤولون ولهم ذوق وقدرة على اتخاذ القرار في الامتناع عن متابعة ما لا يناسب قيمهم، وعلى الآخرين احترامهم و احترام أفكارهم و قيمهم و لا يفرضوا عليهم وجهة نظرهم الخاصة.
حتى ديمقراطيا فهم الأغلبية؛ إنهم قاعة كاملة مقابل شخص واحد وهي نفس النسبة التي يمثلها منحرفوا المجتمع مقارنة ببقيته المحترمين المحافظين على الأخلاق والقيم التي تمثل هوية وشخصية بلادنا.
استمر النقاش فترة من الزمن، واحد يدافع عن عرض خامج، و قاعة كاملة تدافع عن الحياء و الفضيلة و الأخلاق و الآداب ..
و في النهاية انتهى وقت الحوار و النشاط وغادر الناس القاعة؛ و ربما احتفظ كل طرف بأفكاره؛ لكن من الواضح أن الغلبة كانت للأكثرية التي تضامنت و تعاونت و دافعت عن فكرة بسيطة و هي أنه من حق المجتمع و من واجبه أن يحمي نفسه ليستطيع النمو و الاستمرار، وإلا فإن هناك دائما من يسعى للهدم و التمييع و المسخ بشتى السبل و لأهداف مشبوهة لا تخدم إلا أعداء الوطن.
ما فعله شباب تلك القاعة، يمكن أن يفعله جمهور الفضائيات و جمهور الوسائط الاجتماعية، بترك التفاهة و الإعراض عنها و عن أصحابها، فلا يصنع منهم أبطالا مزيفين و مؤثرين سلبيين؛ فذلك واجب كل مستهلك تجاه نفسه و أسرته و مجتمعه، قبل أن يكون واجب الهيآت الرسمية و الرقابية، التي عليها أيضا أن تنقي الفضاء الإعلامي من السموم و المخدرات الفكرية و التي لا تقل خطورة عن المخدرات الأخرى.
و الله المستعان