العلامة الجزائري العربي التبسي...مسيرة دينية عبقة ومواقف ثورية مُشرّفة

رمضانيات
ولد العلامة الجزائري العربي بن بلقاسم بن مبارك التبسي عام 1895 بولاية تسبة، ينحدر من أسرة فقيرة تعمل في الزراعة، كان والده معلما للقرآن الكريم في مسجد البلدة، عاش يتيما إذ توفي والده وهو في الثامنة من العمر، بدأ بحفظ القرآن الكريم على والده الشيخ بلقاسم، وبعد وفاته التحق بزاوية ناجي الرحمانية في الخنقة، فأتم بها حفظ القرآن خلال 3 سنوات، ثم التحق بزاوية مصطفى بن عزوز بجنوب غرب تونس عام 1910 ، وفيها أتقن حفظ القرآن وتجويده وأخذ مبادئ النحو والصرف والفقه والتوحيد، وفي عام 1915 انتقل إلى جامع الزيتونة بتونس، ونال منه شهادة التطويع، ثم رحل إلى القاهرة عام 1920 ودرس العلوم الشرعية في الجامع الأزهر. وفي عام 1947 تولى العربي التبسي إدارة معهد ابن باديس في قسنطينة، وفي عام 1956 انتقل إلى العاصمة الجزائر لإدارة شؤون جمعية العلماء، وبعد رحلته الطويلة لطلب العلم في تونس ومصر عاد التبسي إلى الجزائر عام 1927 والتقى مع العلامة عبد الحميد إبن باديس، حيث اتفقا على خطة لخلاص الشعب الجزائري من ويلات الاستعمار وجرائم الجهل والفقر والبدع والضلالات بسبب سياسة التجهيل التي مارستها فرنسا ضد الشعب الجزائري، بعدها اتخذ من مسجد صغير ببلدة تبسة مركزا لنشاطه الدعوي والتعليمي، حيث أسس مدرسة "تهذيب البنين و البنات"، وبعد وفاة علامة الجزائر عبد الحميد بن باديس ونفي البشير الإبراهيمي، اتجهت الأنظار إلى التبسي بصفته المؤهل لملء الفراغ العلمي والدعوي، وقد توافد إليه طلاب العلم من كل مكان. تعتمد طريقة الشيخ التبسي في التدريس على قراءة نص قرآني أو حديث نبوي ،فيفسر مفرداته والمعاني والحكم التي يتضمنها، وبعد الجانب التعليمي من الدرس ينتقل إلى الأمراض الاجتماعية فيشرحها ويبين أسبابها وعواقبها في الدنيا والآخرة.وقد وظف مكانته الدعوية والعلمية بين الجماهير في الحث على الجهاد ،ونشر الوعي وسط الشباب للانخراط في الثورة، ونشر مقالات في صحيفة "الشهاب"، تحت عناوين قوية مثل "الجزائر تصيح بك أيها الجزائري أينما كنت". نقل أحمد الرفاعي عن الشيخ الطاهر حراث أن الكثيرين من أصدقاء التبسي حاولوا إقناعه بالخروج من الجزائر بعد أن أصبح هدفا واضحا للمحتلين، فكان جوابه "إذا كنا سنخرج كلنا خوفا من الموت فمن يبقى مع الشعب؟".ونقل عن التبسي قوله "لو كنت في صحتي وشبابي ما زدت يوما واحدا في المدينة، ولأسرعت إلى الجبل فأحمل السلاح وأقاتل مع المجاهدين". حسب كتاب أعلام الجزائر، فإن العلامة تلقى سنة 1957 إنذارا قبل اغتياله بـ6 أيام عن طريق رسالة طالبوه فيها أن يخرج من الجزائر قبل فوات الأوان وبعدها تم اختطافه من قبل عملاء للجيش الفرنسي من منزله، فقد روى شاهد عيان أن القائد الفرنسي أمر بإحضار قدر من زيت السيارات الممزوج بالإسفلت، ووضع على النار حتى بلغ درجة كبيرة من الغليان، ثم خير التبسي بين وضعه في تلك القدر أو تراجعه عن دعم الثورة التحريرية، وقد رفض التبسي الانصياع فأمر القائد الجنود السنغاليين بإدخاله في القدر، ليلفظ حينها أنفاسه الأخيرة ويلتحق بقافلة الشهداء.

يرجى كتابة : تعليقك