أعلام ومدينة... العلامة الشيخ سيدي محمد بلكبير الأدراري ... مدرسة في العلم والاعتدال والتسامح

أعلام ومدينة...  العلامة الشيخ سيدي محمد بلكبير الأدراري ...  مدرسة في العلم والاعتدال والتسامح
رمضانيات
في جنوب غرب الجزائر، وبالتحديد في منطقة توات (أدرار)، ولد العلامة الشيخ سيدي محمد بلكبير بن محمد عبد الله بن لكبير، ببلدة لغمارة (قرية من قرى بودة الواقعة غرب مدينة أدرار على بعد 25 كلم) عام 1330هـ الموافق 1911م، ولد رحمة الله عليه من أسرة شريفة القدر مشهورة بالكرم والعلم، تنحدر من سلالة ثالث الخلفاء الراشدين، سيدِنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، نشأ الشيخ في أحضان العائلة العلمية، حيث كان أبوه رحمه الله من حملة كتاب الله، المشهود لهم بالخير والبركة، وكان عمه إماما ومعلما بمسجد القرية، وكان خاله سيدي محمد بن المهدي فقيها وصوفيا من أعيان عصره بقصر (بني لو) ببودة أيضا،فحفظ القرآن الكريم أولا على يد الشيخ عبد الله المعلّم بمسجد لغمارة، وعلى يد عمه الإمام أخذ المبادئ الأولية في علوم الشريعة، من متون الفقه والنحو والعقيدة في سن مبكرة. وقد كان لهؤلاء الفضلاء الأثر الكبير في تنشئته المتميزة، وتربيته الكريمة، وإعداده للصبر والمثابرة في طلب العلم، مما هيأه لتحمّل الغربة ومفارقة الأهل في سبيل التعلم.. بعدها انتقل به والده سيدي عبد الله رحمه الله إلى عاصمة العلم في توات آنذاك (تمنطيط) للتعلم على يد العلامة الشيخ سيدي أحمد ديدي عالم وقته ومصباح زمانه رضي الله عنه، حيث مكث عنده سنوات، تلقى فيها ما قدر له من العلوم الشرعية والعربية، من توحيد وفقه وحديث وتصوف وتفسير وآداب ونحو وعلوم اللغة. وأثناء هذه المرحلة اتصل خلالها بعلماء وقضاة المنطقة، مثل سيدي عبد الكريم الفقيه البلبالي بــبني تامر والشيخ محمد بوعلام بمولوكة، والشيخ محمد بن عبد الكريم البكري.. ثم استأذن شيخه في الذهاب إلى شيخ الطريقة الكرزازية ( الشاذلية نسبة للشيخ سيدي أحمد بن موسى رحمه الله) القاطن آنذاك في تلمسان الشيخ سيدي بوفلجة بن عبد الرحمان، وأخذ عنه الأوراد الخاصة بالطريقة وتدارس معه مسائل في مختصر الشيخ خليل واتصل حينها بعلماء تلمسان. بعد تلك المرحلة اشتغل بالتدريس بناحية العريشة ثم المشرية يحفّظ القرآن الكريم ويدرس الفقه والتوحيد، وفي أواخر الأربعينيات عاد إلى مسقط رأسه ببودة بطلب من والده، بعدها دُعي إلى بلدة تيميمون، وفتح مدرسة بتمويل من بعض المحسنين، ساهم خلالها في نشر الثقافة الإسلامية من تعليم كتاب الله، وتدريس العلوم الشرعية، والمساهمة في التقليل من ظاهرة الأمية المنتشرة آنذاك في أوساط الشعب الجزائري، بفعل السياسة الثقافية التي اتبعها الاستعمار الفرنسي لطمس مقومات الشخصية الجزائرية وثوابتها. ثم رجع بعدها إلى بودة من جديد، وشرع بالتعليم والتدريس قرب منزله، ولازالت آثار هذه المدرسة في بودة كما كانت. ثم دُعي بعدها إلى مدينة أدرار، وأنشأ مدرسة، وتولىّ الخطابة والإمامة والتدريس بالجامع الكبير،وحرص على توسيع المدرسة سنة بعد سنة، مع إقامة الطلبة والتكفل بهم على نفقته وتبرعات المحسنين. واستطاع أن يتجنب غضب المستعمر الفرنسي على المدرسة وما تقوم به ظاهريا من تعليم صرف، وإخفاء دورها الديني والنضالي في مجال محاربة الكفار وعدم موالاتهم. ومنذ إنشائها سنة 1949م استقطبت مدرسة الشيخ سيدي محمد بلكبير، الطلبة من داخل الوطن الجزائري وخارجه، ومنها درس وتخرج الكثير من المشايخ والطلبة، الذين حملوا مشعل العلم بعده، نذكر منهم الشيخ الحاج سالم بن إبراهيم الإمام الخطيب بالجامع الكبير وعضو المجلس الإسلامي الأعلى،الشيخ سيدي الحاج حسان الانزجميري، الشيخ الحاج عبد القادر بكراوي ، وابن عمه الشيخ عبد الكبير بلكبير وصهره الشيخ عبد الله عزيزي ،الشيخ الحاج أحمد المغيلي،الشيخ مولاي التهامي غيتاوي عضو المجلس الأسمى الأعلى، والشيخ الحاج عبد الكريم الدباغي وغيرهم . في مدرسة الشيخ تأسس المعهد الإسلامي سنة 1964م بأدرار، وطيلة تلك السنوات كان يضرب أروع الأمثلة في القيام بالواجب ونكران الذات، والإحساس بالمسؤولية الملقاة على عاتقه، فكان بحق (أُمَّـة) لما اجتمعت فيه من خصال الخير الجامعة، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا. تحصل رحمه الله على الدكتوراه الفخرية من جامعة وهران، ونال عام 1999م وسام الاستحقاق من رئاسة الجمهورية، وبعد عمر مبارك قضاه في الخير ونشر العلم والفضائل، وافته المنية صبيحة يوم الجمعة 16 جمادي الثاني سنة 1421هـ الموافق 15 سبتمبر 2000م.

يرجى كتابة : تعليقك