لموروث الجزائري المترجم...ضرورة استرجاع الموروث الجزائري المترجم إلى مكتبتنا الوطنية

لموروث الجزائري المترجم...ضرورة استرجاع الموروث الجزائري المترجم إلى مكتبتنا الوطنية
النادي الأدبي
يشكّل الموروث الثقافي ركيزة أساسية في الترويج إلى عادات وثقافة الشعوب وحتى إلى بناء حضارتها، باعتباره حصيلة فكرية تؤلف بين أرشيف الماضي من تقاليد راسخة كوّنت تراثا ثقافيا صاخبا متعدّد المشارب، وبين ثوابت الحاضر انطلاقا من الدسائس المكنونة من عادات وتقاليد وألبسة وأكلات شعبية وأناشيد وطقوس وفنون وأداب متشعّبة، روت تاريخ الحضارات المتعاقبة بتفاصيل جمّة، أجادت صنع هويّة بارزة يزخر بها أيّ مجتمع ذو عصبة ثقافية ملتحمة. وتجدر الإشارة إلى أنّ الجزائر من أحد البلدان التي تزخر بتراث ثقافي ثري، أرثته باستحقاق من تمازج الحضارات التي تعاقبت عليها فضلا عن موقعها الجغرافي الاستراتيجي بين قارتي أوروبا وإفريقيا، حتى بات تاريخها منحوتا في فنونها وألبستها وأكلاتها ومدنها التي تتشبّث كل منها على مدى اختلافها بهذا الكنز الثقافي الموروث، ولعلّنا اليوم بأمس الحاجة إلى الحفاظ على هذا التراث الثقافي برمّته بوضع استراتيجية ممنهجة في ظل السرقات التراثية المتموّجة عبر الحدود والقارات. وفي هذا الصّدد يتحتم على النخبة الجزائرية من دكاترة ومترجمين إلى تأريخ وترجمة هذا الموروث لنقله بأسلوب حضاري مدروس له أن يعبّر على الفوارق بدراسة علمية وموضوعية، و يحفظ هذا الموروث في الدواوين والأرشيفات الوطنية. وفي هذا السياق، يمكنني في هذا المقام أن أشير إلى تجربتي المتواضعة حيث خضت في تأليف كتاب بعنوان "البوقالة الجزائرية تعود أدراجها إلى بلاد الأندلس" والصادر عن دار جودة للنشر والتوزيع، والذي حاولت من خلاله تأليف أكثر من 20 بوقالة بالعامية الجزائرية، مرفقة بترجمتها إلى اللغة الإسبانية، ولعل سر اهتمامي بالبوقالة وترجمتها يكمن أساسا في الترويج إلى الموروث الثقافي الشعبي الجزائري وذلك بالعمل على تجسيده بنسق إبداعي جديد ممنهج ذي أبعاد ثقافية يرمي إلى الحفاظ على الهوية الجزائرية عن طريق البوقالة التي تحمل في طيّاتها خلفيّات حضارية تروي أحزان وأفراح النساء الجزائريات، بحلة جزائرية منمّقة تأخذ المتلقي إلى عوالم ساحرة تنبع من خصوصيات الواقع الجزائري، وهذا ما أظهرته بعض الروايات الجزائرية كرواية "ريح الجنوب" للكاتب عبد الحميد بن هدّوقة ملوّحا لأصالة النساء الجزائريات في لوحة أدبية فريدة. وقد لا تكون هذه الترجمة المبادرة الأولى بل استبقها عمل المترجمة "سعاد حاج علي موهوب" بكتابها الموسوم بـ الشعر الشفهي النسوي للبوقالة"، المنشور في العديد من دور النشر الإسبانية، والذي عملت من خلاله إلى التعريف بالبوقالة الجزائرية وترجمة أشهرها إلى اللغة الإسبانية، وهو ما يعد نقلا تراثيا له أن يروّج بكفاءة للموروث الثقافي الشعبي الجزائري. بالإضافة إلى ترجمة "البوقالة"، لن يفوتنا التنويه إلى الأدب الشعبي الجزائري والذي تمت ترجمته إلى اللغة الإسبانية كالمجموعة القصصية الشعبية الأمازيغية للكاتب الجزائري "مولود معمري"، الذي اجتهد في ترجمتها المترجم الاسباني "ماريو ميرلينو"، التي لقيت أًصداء إيجابية في المكتبات الإسبانية، حبذا لو استرجعناها إلى المكتبات الوطنية وغيرها من المؤلفات العديدة التي تمت ترجمتها إلى لغات أخرى، لكن بقيت حبيسة المكتبات الأجنبية، وهو ما يفرض استعادتها بتنظيم ملتقيات وطنية ودولية وأيام دراسية حول الترجمة والتأريخ في هذا المجال لنهيئ الأٍرضية الخصبة للحفاظ على موروثنا الشعبي الجزائري. وتأسيسا لما سبق، علينا أن ننبّه أيضا إلى طرائق الترويج إلى الموروث الثقافي الجزائري في ظل الهيمنة التكنولوجية التي تفتقد نوعا ما إلى صرامة الرقابة، مما جعل التطرق إلى هذه الموارد الثقافية بطريقة غير مدروسة تفتقر إلى تأطير أكاديمي ويقتصر ظهورها في مواقع التواصل الاجتماعي دون التحديد الأدق لملامح الموروث الثقافي، أو في حصص تلفزيونية دون الخوض في أغوارها التاريخية وحضارتها الفنية التي رويت في روايات جزائرية مهذّبة الذوق، ممنهجة الأسلوب عالية الفكر، معروفة في أفق أجنبية ووطنية على حد سواء. وفي الختام، لعلّ أحسن ما نختم به يكمن في الإحاطة بمجوعة من التوصيات نرتئيها مناسبة للترويج للموروث الثقافي بين الجزائر وما وراء حدودها، بدء بجمع هذا التراث بطريقة أكاديمية، وننوه بالخصوص إلى أهمية الشعر الملحون في جمع قصائده وترجمته إلى لغات العالم الأخرى، باعتباره دستورا ثقافيا يحمل أسرارا تاريخية، تروي معارك وحروب وأزمات وتوصي وترشد وتهذب النفس والعقل وتصنع ملامح أدبية بلغة عامية مهذبة، تصنف ضمن السهل الممتنع، تخلق تحديا لغويا بارزا للمُترجمين، وتشوق الأجنبي إلى القراءة والاستكشاف، كما نوصي بإدراج الموروث الثقافي في المناهج التربوية وتكوين الأساتذة من قبل أهل الاختصاص، لأن يصبح مادة معرفية تعرّف الجيل الحالي بحضارته وتدفعه إلى الإثراء والتجديد دون المساس بموروثه الذي يعكس طبائعه وهويته. وإن جمعنا بين التربية والثقافة قد نتمكن من الربط بين جسور الحضارة وأصالة التعلم.

يرجى كتابة : تعليقك