فضاء السرد الصحراوي....عالمي الصحراوي المسكون بالغرائبية أدخلني إلى فضاء السرد

فضاء السرد الصحراوي....عالمي الصحراوي المسكون بالغرائبية أدخلني إلى فضاء السرد
النادي الأدبي
في طفولتي كانت أجمل الأشياء التي تشدني وتبعث في سكينة هي حكايات الجدة، وبعدها اكتشفت أن من يحيط بي في فمه حكاية تسدها عوالم الدهشة إن حُكيت، تلك العوالم جعلت مني مستمعا مستمتعا بكل حكاية.ثم تحملني الأقدار بعدما كنتُ مشروع صلعوك ناجح نظرا لكوني لم أدخل للمدرسة حتى بلغت 12 سنة، دخلت المدرسة وتغيرت الحكاية من حيث تلقيها عندي وجاءت قصص أخرى، وحكايات أخرى كالنملة والصرصور والفلاح والطرطور وقصص الحيوان، تغيرت طريقة التعاطي مع القصص والأساطير الشعبية، لكن بقيت زاوية البيت وحكاياه كما هي معي تشكل المخيال الذي تكوّن السارد الخفي في شخصي. ذات يوم كتبتُ قصتي الأولى في الابتدائية، مستلهما ذلك من قصيدة "التينة الحمقاء" وقد شكرني الأستاذ حينها وكانت الانطلاقة وبدأت أتخيل نفسي أكتب قصصا بمحاكاة قصص أخرى، ومن أكثر الأشياء التي ربطت بالقص والحكي، هي جلسات الشاي التي كان يعقدها والدي من المساء من بعد العصر حتى بعد العشاء، تلك الجلسات التي تُقام على الحكايات الممتعة والسير المدهشة، والغرائبية الغامضة ..تشكلت شخصيتي المليئة بكل هذا، وذات يوم كتبتُ قصة كاملة المعالم وكنتُ في مرحلة الثانوية طبعا كنت أكبر تلميذ في المتوسط وفي الثانوية، وهو حافزي لأن أكون محور الحكاية. في نهاية الثانوية بدأت في كتابة رواية، كنت أكتب بداية من سنة 2000 حتى 2001 ، ثم دخلتُ فترة الجامعة، كنت أكتب على الكراريس والدفاتر برغم كل العوالم التي أدخلتني فيها الجامعة واتساع دائرة معارفي اللغوية والأدبية ...طبعا دون نسيان انكبابي على كتابة الشعر وقراءة كل ما يتعلق به بنهم، لكن بقيتُ لصيقا بذلك الذي أسميته "رواية".. وبدأت أقرأ وأكتشف عالم السرد وأكتب قصصا، حيث نشرت قصة قصيرة بعنوان "الخالة تاميناغت" بمجلة الجاحظية، قرأت روايات الطاهر وطار كلها ...بدأت أدخل إلى عالم واسيني الأعرج ثم بوجدرة ثم لحبيب السائح، تلقفت أحلام بلغة الشاعرة وروحها المتمردة ...قرأت النقد بداية من رنين الحداثة لبختي بن عودة ..بدأت أكتشف السعيد بوطاجين ومختلف ما كانت تزودنا به أعداد مجلة "التبيين"، وأيضا مختلف الجرائد في أركانها الأدبية تحت رعاية الطاهر وطار وقبله الشيخ "وايني محمد" مدير الشؤون الدينية لولاية تامنغست حينها، اللذان شجعاني على الكتابة حول أدب "ايموهاغ" ،كتبت عن البعد الديني في الأدب الأمازيغي، وعن أدبيات الجن لدى مجتمع "ايموهاغ"...وعدتُ للسرد من خلال قصة " ريح ازدك" التي نشرتها مجلة "التبيين" أيضا. بقيت تجربتي السردية تلازمني حتى نهاية 2011 ،حيث اكتملت روايتي التي اخترتُ لها عنوان " لمن تغني تين هينان القصيدة" ،وكان عنوانا لفصل من فصولها، وبعد تأمل كبير اخترت عنوان "سرهو".. وبدأ الكل يسأل ما معنى" سرهو" ؟ "سرهو" هو اسم وصفة .."سرهو" كلمة جامعة لمكارم الأخلاق بل هي ركيزة الأخلاق...لم أكن أعرف أنني أكتب في سرد الصحراء، لكن "سرهو" هو كل جمال تحويه الصحراء، وهو صرخة النغم الذي حاصره النشاز،"سرهو" بكل شخوصها كشفت وجها لم أدرك أنها ستكشفه، وغاصت في كل التفاصيل التي تعانيها مدينة تقف في مفترق الطرق ويسكنها التردد، أتقبل أم تحجم؟. ذهبتُ للمطابع، وردّتني أكثرها بحجج لا داعي لذكرها،.ليقدم لي أحد المثقفين يد العون، ويقرأ مخطوطي برغم انشغالاته ويرفعه لمطبعة لم أكن أعرفها رغم أنها أصدرت ديوان شعر جماعي كنتُ مشاركا فيه، إنها مطبعة "مزوار"، ...صدرت "سرهو" سنة 2014 م في شهر أفريل، وحتى ذلك الوقت لم تكن تمنغاست قد عرفت هذا الفن السردي ما عدا "عمل صلاح الدين" الذي هو عبارة عن قصة سردية صدرت سنة 1966، ولكن كعمل روائي حديث كانت "سرهو" هي الأولى، وقد أقبل عليها الجميع وتحدثوا عنها، وأحبها مختلف الكتاب، خاصة رواد سرد الصحراء كالدكتور الحاج الصديق الزيواني، د.عبد الله كروم، وأستاذنا عبد الكريم ينينة، وقد شهدت "سرهو" ردود أفعال إيجابية ومُرحّبة. قالوا عن رواية "سرهو" : الشاعر والفنان أحمد بن انسباغور: إعادة تفكيك رموز تمنغست وإعادتها إلى حضن الواقع لقد التهمت "سرهو" بشهية بالغة، وما أعجبني حقاً أن المؤلف حقق عدة غايات معا، ففي الرواية تحدث الأكاديمي على لسان القاص، فأفاد دون تعقيد، وتحدث القاص على لسان بمبي وتيسمقت ومحيميد واكسا، فأبدع فيما صوّر، واختبأ الشاعر خلف أنغام إمزاد وأفرغ ما في جعبته، و لبرهة لفحتني أنفاس "الطيب صالح" من باب ذكر الشيء بالشيء، و تراءت لي "اخيلة مريود" و"عرس الزين" و"موسم الهجرة إلى الشمال"، لكنني انبهرت بتلك البراعة في إعادة تفكيك رموز تمنغست وإعادتها إلى حضن الواقع مع زخم من الحنين وتسمية الأشياء بمسمياتها والتشفي من الحاضر الذي كاد أن يقضي على كل شيء...كما أن ميمون الذي أعرفه كان هناك بين سطور القصة، غير ميمون زوج اميناته وعم تين هينان... رواية رائعة يجد فيها القارئ نفسه في وقت أغرق الأدب من حولنا في النرجسية، هنيئا لك يا ميمون فقد وفقت في تمرير الرسالة. ... الدكتور العيد بودة: الصحراء في ضمير القلم "سرهو" كلمة تارقية؛ تجمع في معناها المروءة ومكارم الأخلاق، والقيم الدينية التي لا تتنازل الصحراء عنها، "سرهو" الذي ظل ماثلا في عرف التوارق، تُرْجِمَ في أحدث أغاني الفن التارقي، الذي عرفته المدن المهمة في مجتمع إيموهاغ(التوارق)؛ من قائمة أقديز بالنيجر، وكيدال، وتنبكتو وباماكو بمالي، وتمنغست وجانت وعين صالح بالجزائر. "سرهو" عمل روائي مميز، يستضيف صحراء الهقار الأشم، الذي يرتل صلوات الشموخ، ويسرد حكايات الأزل في رحاب الصمت، ويعزف موسيقاه على إيقاعات التندي وأنغام الإمزاد، وتهاويم تهيجالت ( رقصة تارقية يؤديها الرجال(. يستمد هذا النص وهجه من سيرورة الحياة عند المجتمع التارقي، إذ يُعَبِّرُ صاحبه عن زمن الاغتراب، والترحال ومجابهة قسوة الصحراء، وصعاب الحياة، كما يحاول في الوقت نفسه أن يسبر أغوار "الإيموهاغ" في مشهد قلمي بديع، متجاوزا تلك الصورة النمطية السطحية التي تكرسها القنوات التلفزية، عن جنوب البلاد مع سبق الإصرار، ففي "سرهو" تتعالق الأصالة مع الحداثة، بما يتناسب وواقعية الأحداث، ومهارة الكاتب، كما تلتقي في "سرهو" أساطير الأولين، مع حقائق عديدة تعكس بعض المشاهد الباعثة على إدهاش القارئ، الذي سيتعرف أو يكتشف بعض العادات والتقاليد، التي تشكل مكونا راسخا في منظومة الحياة الاجتماعية والثقافية لكيل(أهل) تمنغست، فضلا على بعض المشكلات الاجتماعية العويصة، التي تؤرق ساكنة المكان، ويضاف إلى هذا بعض الشؤون السياسية التي خلقت في إقليم الهقار متغيرات جلية، كان لها واضح الأثر على واقع المجتمع التامنراستي. ميمون الساكن في تفاصيل العناء، يتقمص دور البطولة بروح رجل تارقي يحلم دائما بمعانقة أحلامه المشرقات، من بينها تفكيره الدائم في كتابة رواية شيقة، تحمل من المعاني السامية للحب، ما يجعلها صالحة لتكون ترنيمة ما قبل النوم، ومفخرة كل رجل وامرأة ... هذا النص الماتع يستحق القراءة. ... الباحثة والأديبة نجاة دحمون : "سرهو" أول رواية جزائرية عن المجتمع التارقي! خلال ورشات الترجمة التي أقامتها المحافظة السامية للغة الأمازيغية نهاية شهر ديسمبر 2017م تشرفت بلقاء كاتب جزائري من ولاية تمنراست اسمه "مولود فرتوتي"، وأخبرني يومها بأنه ألّف رواية عن المجتمع الذي هو جزء، وكان كريما بأن قدم لي نسخة من عمله.وأذكر أني قضيت ليلتين وأنا منهمكة في مطالعة هذه الرواية التي تقع في 120 صفحة والتي صدرت عام 2014م . كنت فضولية لاكتشاف خبايا المجتمع التارقي الأمازيغي الذي لا نعرف نحن سكان الشمال شيئا، وكنت محظوظة بوجود أحد المهتمين بكتابة وترقية اللغة الأمازيغية بمتغيرة تمهاقت الأستاذ حمزة، الذي أجابني عن أسئلتي الكثيرة بعد قراءتي لرواية "سرهو"، وهي رواية جميلة تتحدث عن حياة المدرس" ميمون" الذي أخلص في تربية ابنة أخيه "تين هينان" بعد وفاة والديها (قدور ودوجة) في حادث مرور أليم، وتكشف تفاصيل حياة المجتمع التارقي وخباياه الكثيرة من عادات وتقاليد بعض الأمثال والحكم وحتى الأهازيج.إذ حرص الكاتب على ترجمة بعض الأمثال وشعر الزجل ضمن روايته، وتكشف عن علاقة النساء بموسيقى "التيندي" وعن معاني حركات الرقص ،كما كشفت عن تفاصيل حياة "أميناتا" وحبها لميمون الذي لم يتزوجها إلا لتكون ابنة أخيه قربه فهي خالة تين هينان،وتميط الغموض عن أمور كثيرة مشاعر متناقضة ومعارف نجهلها عن أمازيغ الصحراء... و"سرهو" حسب ما شرح لي معناه في لغة أهل الصحراء"المحبوب" أو صفة المحبة في الإنسان،وقد اشتقت الكلمة من أرهو أي الحب ...الرائع في هذه الرواية أن القارئ يشعر بمدى الجهد الذي بذله الكاتب ليطبع روايته، وليدخل فيها تفاصيل تجعل من هذه الرواية أول بوابة لدخول الرواية الجزائرية المتحدثة عن المجتمع الأمازيغي التارقي...هذه الرواية تستحق حقا أن تطالع، ومهم جدا أن نقرأ لكتابنا وروائيينا وشعرائنا كما نقرأ للأدباء العالميين . ... الأديب محمد مفلاح : "سرهو"... أروع هدية تلقيتها ما أعجبني في "سرهو" هو روح البيئة المحلية المتجلية بملامحها الواقعية والأسطورية في هذا النص، والمتمثلة بالأخص في الموسيقى والرقص، ومكانة المرأة التارقية والحسانية، وتقاليد المدينة التي امتزجت فيها الأعراق، وتطرقت أيضا إلى تفاعل التيارات الفكرية والسياسية التي مر بها المجتمع في مرحلته الحديثة..سرهو (كلمة ترقية وتعني العربية كل مكارم الأخلاق التي يتصف بها الإنسان) الصادرة سنة 2014، هي رواية لأديبنا الصحراوي التارقي، الذي يتميز بمعرفة عميقة لبيئته. سأعود إلى هذه الرواية الممتعة في قراءة أخرى لأتحدث عن شخوصها وبخاصة عن "ميمون" الجريح في زمن الحب الضائع. مولود فوتوني قلم جزائري آخر من عمق الصحراء المبدعة.. له مشاريع واعدة.. نتمنى رؤيتها قريبا. وغيرها كثير من الآراء التي ظنوا أنهم اكتشفوا بعدا آخر للصحراء التي لا يعرفون.

يرجى كتابة : تعليقك