فقدت أول أمس الأسرة الإعلامية بولاية وهران أحد أعمدة المصورين الصحفيين "عمي الطاهر" الذي وافته المنية عن عمر ناهز 81 سنة، إثر مرض عضال ألزمه الفراش لعدة أشهر، وقد وُوري الثرى جثمان الفقيد بمقبرة عبن البيضاء بوهران، بحضور كوكبة من الصحفيين والمصورين وأصدقاء الراحل الذين ودّعوه بألم وحزن كبيرين، ووسط أجواء كئيبة تم خلالها استذكار مناقبه وخصاله الحميدة التي اتسم بها طوال مسيرته المهنية العبقة والثرية بالتجارب الناجحة والإنجازات المحققة في مجال التصوير الصحفي.
يعتبر الراحل عبد الله الطاهر من أبرز المصورين الصحفيين بوهران وبالجزائر كلها، حيث استطاع على مدار أكثر من 50 سنة أن يرسم بصمة خاصة به، بفضل ذكائه وأسلوبه المتفرد في الجمع بين الحس الصحفي والبراعة في التصوير، فضلا عن درايته الواعية بأخلاقيات المهنة والواجبين الإعلامي والوطني، واختياره الموفق والصحيح لزوايا الرؤية عند التقاط الصورة مع مراعاة الجوانب التصويرية التي تعبر عن جوهر المشهد ومصداقية الخبر، وهذا المسار المهني الهام عكس شخصية "عمي الطاهر" وإنسانيته ومدى إطلاعه على أمور الحياة وانشغالات مجتمعه، حيث تمكّن الفقيد من كسب قلوب زملائه والمحيطين به في جُل المجالات، إذ يشهد له الجميع بجديته في العمل والانضباط وبالكفاءة والإخلاص والخبرة، ما جعله قدوة في المهنية وحب العمل والإرادة والاقتدار.
عمل المصور الصحفي عبد الله الطاهر بجريدة "الجمهورية"، وبوكالة الأنباء الجزائرية من سنة 1967 إلى غاية 1994، وخلال هذه الفترة أبهر المحيطين به بتفانيه في العمل وحرصه الكبير على تقديم الأحسن والأجود، حيث رافق الرئيس الراحل هواري بومدين في العديد من الزيارات التي قادته إلى دول عربية وأوروبية ، وواكب بعدسته وحسه الصحفي جميع محطات الجزائر المستقلة، ومن أبرز التظاهرات التي تألق فيها عمي الطاهر أيضا، فعاليات كأس العالم سنة 1986 بالمكسيك، وليس هذا فحسب، فعمي الطاهر التقط صورا تاريخية هامة لمعظم زعماء الدول الذين زاروا الجزائر على غرار جمال عبد الناصر، فيدال كاسترو، صدام حسين وغيرهم من الشخصيات السياسية البارزة.
ورغم تقاعد "عمي الطاهر" من وكالة الأنباء الجزائرية سنة 1994، إلا أن شغفه بالصورة وبالصحافة جعله يلتحق بجريدة " لوكوتيديان دورون" الناطقة بالفرنسية لمدة سنتين، بعدها عمل بجريدة "صوت الغرب" لمدة 12 سنة، ليحط رحاله بعدها بجريدة " كاب أواست" التي واصل بها مشواره الناجح في عالم التصوير الصحفي. إذ لم يفوت عمي الطاهر أي مناسبة محلية ووطنية رغم كبر سنه ومرضه الذي حاول إبعاده عن عالمه الجميل، بل بالعكس كان دائم النشاط والحيوية، يحمل معه في كل مرة عتاده وآلة التصوير التي رافقته منذ بداية حلمه وبقيت معه إلى آخر لحظة ودّع فيها العمل الصحفي، وهكذا يرحل " عمي الطاهر" القدوة، والإنسان الطيب المتواضع إلى مثواه الأخير تاركا الكثير من اللحظات الجميلة التي تقاسمها مع زملائه وأصدقائه ومحبيه، والمئات من الصور التي وثّقها بعدسته وروحه وحسه المهني، والتي ستبقى لا محالة راسخة في السجل التاريخي لبلادنا وستبقى شاهدة على تفاني وإخلاص عمي الطاهر لمهنته ومجتمعه ووطنه.