تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية توترا كبيرا في السنوات الأخيرة، وذلك بسبب تجاوز باريس لحدود الأعراف الدبلوماسية، سواء من خلال تصريحات مسؤولها الأول واتخاذه قرارات ارتجالية غير محسوبة العواقب، أو ما يروّج له دبلوماسيوها من أخبار مغلوطة وادعاءات لا أساس لها من الصحة عن الجزائر، ما جعل الهوّة تكبر بين البلدين، وتعلي من قمة جبل الثلج لتتجمد عند الدرجة الصفر، ما سيعود بنتائج وخيمة على العلاقات الثنائية وعلى باريس بوجه خاص التي تتخبط منذ مدة في أزمة اقتصادية وطاقوية كبيرة، ألزمتها الدخول في سياسة تقشف.
فإلى جانب الخرجة الاستفزازية الأخيرة للوبي المتصهين الذي يجتمع في كل مرة عند جارة السوء ضد الجزائر، وما صدر من تصريحات "رعناء" من "الماكرو" الفرنسي في البرلمان المخزني، بتأييد بلاده لسيادة "المخرب" على الصحراء الغربية، واعدا باستثمارات بقيمة 10 ملايير أورو فيما أسماه بـ"الإقليم المتنازع عليه"، التي تضاف إلى تصرفات سابقة كالتي وقعت في سبتمبر 2021 ودون سابق إنذار عندما قررت باريس تقليص حصة تأشيرات السفر الممنوحة للجزائريين، بذريعة عدم تعاون الجزائر معها فيما يسمى بإعادة المهاجرين غير الشرعيين إلى وطنهم الأصلي، وأتبعتها في شهر أكتوبر من ذات السنة بتصريحات غير مسؤولة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي "شكك" في وجود أمّة جزائرية قبل الاستدمار الفرنسي لبلادنا، واتهم النظام الجزائري باستغلال ملف الذاكرة لأغراض سياسية، ثم هاهو سفيره الأسبق بالجزائر "كزافييه دريانكور " يقبل على خطوة جبانة أخرى بترويجه لأخبار مغلوطة عن بلادنا، يدّعي من خلالها تقييد الجزائر لتجارتها الخارجية مع فرنسا، الأمر الذي فنّدته مصالح الوزير الأول جملة وتفصيلا، مما يوضّح أنّ ما تقوم به فرنسا وأذنابها سياسة ممنهجة ضد الجزائر، وهو الأمر الذي لم يعد يفاجئ أحدا، لأن إستراتيجيتها التي تخطط لها ضد الجزائر بمشاركة جارة السوء ومباركة اللوبي الصهيوني باتت مكشوفة للرأي العام العالمي.
فالعام والخاص يدري أن الجزائر كانت ولا تزال ضحية ثباتها على مواقفها في سياستها الخارجية خاصة إزاء القضيتين الجوهريتين فلسطين والصحراء الغربية، وما تناضل من أجله منذ استقلالها لصالح الشعوب المستضعفة، وما تروّج له عبر دبلوماسيتها من مبادئ تقوم على تسوية الخلافات وحل الأزمات باللجوء إلى المقاربات السلمية بعيدا عن الحروب التي لا يجنى من ورائها سوى الخراب والدمار، ورفضها القاطع التدخل في السياسة الداخلية للغير، مؤيدة اعتماد سبل الحوار بين أطراف النزاع بدل تدويل الأزمات، الذي كثيرا ما تنساق وراءه الدول الطامعة التي تعمل على تأجيج نار الفتن، وتغذية العنف الداخلي لتتدخل في الوقت بدل الضائع وتجد لها سوقا لتصريف بضائعها من سلع وسلاح ومخدرات، أو مرتعا لاستنزاف ثروات البلد محل الأزمة.
هذه المواقف البطولية والشهمة من بلد المليون ونصف المليون شهيد جرّ على الجزائر الكثير من المشاكل، وجعلها محل حقد الكثير من مرضى النفوس الذين يحاولون في كل مرة خلق البلبلة وزرع الفتنة بأي طريقة تسئ إليها، وآخرها خرجة هذا السفير الفرنسي الذي سكت دهرا لينطق كفرا، مقوّلا الجزائر ما لم تقل، متناسيا الآداب الدبلوماسية، في محاولة جديدة لزرع الفتنة وتأليب الرأي العام الفرنسي ضد بلادنا، لكن هيهات أن يصل هؤلاء إلى المساس بذرة من تراب الجزائر القوية بشعبها وجيشها ورصانة حكامها... فبلد الأحرار وقبلة الثوار سبق وأن لقّن فرنسا الاستعمارية ومواليها دروسا في البطولة والبأس الشديد في ساحات الوغى يحفظها لها التاريخ، وأجلستها على طاولات المفاوضات صاغرة وهي الدولة القوية بحلفها الأطلسي... ولاتزال على عهدها في النضال، وسيرد الله كيد الكائدين في نحورهم، ويخرسهم... لأنهم مجرد كلاب تعوي أمام قافلة محملة بالزاد تسيل لعاب الطامعين... مكملة طريقها في الاتجاه الصحيح، محفوظة من رب العالمين، تنتصر لنفسها وللشعوب المكلومة ولكل المظلومين.
