تعود اليوم الذكرى الـ 65 لوفاة المناضل موريس أودان صديق الثورة الجزائرية و المساند لنضال الشعب أمن بوجوب استرداد الحرية، فكان حقا شهيدا للحرية و من الفرنسيين الذين عدّته الدّوائر الفرنسية الرّسمية من الخونة،غير أنّ حضور أستاذ الرّياضيات في جامعة الجزائر موريس أودان طغى على حضور البقية، فبات أيقونة أحرار العالم المساندين لحقّ الشّعب الجزائري في الحرّية والاستقلال.
يعود هذا الحضور الاستثنائي للأستاذ موريس أودان إلى طبيعة اختفائه كلّية عام 1957 إذ بقي اختفاؤه محلّ تجاذب حتى صدور كتاب "حقيقة موت موريس أودان" من طرف الكاتب جان شارل دينيو عام 2013، حيث ضمّ اعترافًا نادرًا للجنرال بول أوساريس المشرف على التّعذيب خلال ثورة التّحرير الجزائرية، وصف فيه ما حدث لموريس بـ"جريمة دولة".
و شهيد الحرية موريس لويس أودان حسب المعلومات التي قدمتها لنا مصالح مديرية المجاهدين بولاية وهران، فإنه من مواليد 14 فبراير عام 1932، في مدينة باجة التونسية، وترجع أصول والده لمدينة ليون الفرنسية، فقد كان فلاحاً من قرية ميتيجه، وتزوج من والدته ألفونسين عام 1923، وقد أعدّ لويس ابنه ليكون جندياً فرنسياً، فأصبح لواءً في القوات الفرنسية في الجزائر عام 1943، لكن موريس اتّخذ طريقاً مختلفاً، بعد أن قرّر الالتحاق بمدرسة آتون، والتخلي عن مهنته كضابط، ليدرس الرياضيات في الجزائر، في مدرسة غوتييه الثانوية، ثم التحق بجامعة الجزائر وحصل على شهادة البكالوريوس عام 1953، وأكمل دراسة الماجستير، وتم تعيينه مساعداً للبروفيسور رينيه دي بوسيل، وبدأ في العام التالي العمل على أطروحته حول "المعادلات الخطية في الفضاء الناقل"، وبعد أن التقى برفيقة دربه "جوزيت" فقررا الزواج، وكان كلاهما قد انضمّ للحزب الشيوعي الجزائري عام 1951 بعد أن كانا عضوين في خلية "لانجفين" التابعة لاتحاد طلاب الشيوعيين الجزائريين خلال الدراسة الجامعية.
إن موريس وجوزيت يعدّان من الأقلية الفرنسية المناهضة للاستعمار، وقد اتخذا من قضية تحرير الجزائر هدفاً واضحا لهم، وهو ذات الموقف الذي اتخذه الحزب الشيوعي الجزائري، الذي ضمّ العديد من الفرنسيين، وقد تمّ حظره من قبل المحكمة الفرنسية ليتحوّل إلى العمل السرّي، وقد شارك أودان أيضا في اجتماعات رابطة الطلاب المسلمين، الذين رحّبوا به وحرصوا على انضمامه إليهم، وفي عام 1956 انضمّ شقيقا موريس، شارلي أودان، كريستيان بونوو، إلى حركته في مناهضة الاستعمار، وفي مارس عام 1957، انضمّ زعيم شيوعي آخر إليهم وهو "بول كاباليرو".
ومنذ عام 1957، قُدمت العديد من الأدلة الصحفية والقانونية التي تفيد بمقتل أودان، ولم يتم الاعتراف بها، الى غاية المقال الذي نشرته صحيفة "لوموند"، بعنوان "أين اختفى موريس أودان"، مستشهدة برسائل هنري آليج، ورسائل موريس إلى جوزيت، وتوالت البيانات التي أصدرتها جوزيت، حتى تمّ عقد لجنة للبحث عنه، مكوّنة من زوجته جوزيت، والبروفيسور في الرياضيات بنيامين ويلهال، وألبرت شاتليه، وعدة أصدقاء للمفقود، مجتمعين بانتظام حتى عام 1962، وقد دفعت قضية موريس زوجته، إلى دعم أسر المختفين من المناضلين الجزائريين، ومساعدتهم في تصعيد قضاياهم إلى المحكمة.
إن بقاء موريس أودان متألّقًا في الوجدان والأذهان، رغم اختفائه القسري، فيعود إلى وفاء وإخلاص وحرص زوجته المرحومة جوزيت، التي ألغت فكرة الزّواج مرةً أخرى من ذهنها، وجعلت الوصول إلى كشف حقيقة مقتل زوجها ومصير جثته بعد ذلك هاجسها الأكبر إلى جانب تربية أطفالها الثلاثة ميشيل (3 سنوات)، لويس (18 شهرًا)، بيار (شهر واحد)، تنفيذًا لآخر وصية سمعتها من موريس، ليلة 21 جوان من عام 1957، حيث اقتحم المظلّيون الفرنسيون بيتهما في الجزائر العاصمة.
و كان قد أشاد وزير المجاهدين العيد ربيقة بنضالات موريس أودان وكل مفقودي الثورة التحريرية منذ أسبوعين خلال زيارة ابنه بيار أودان الذي دخل أرض الجزائر بجواز سفر جزائري و عبر لوسائل الاعلام الوطنية عن سعادته بتواجده في بيته الجزائر منوها بالأهمية التي توليها السلطات الجزائرية لملف مفقودين الثورة التحريرية، داعيا الى استغلال كافة السبل والوسائل من أجل ايجاد رفات والده وكل مفقودي الثورة الجزائرية مؤكدا على أن الحفاظ على الذاكرة "أمر مقدس للمضي نحو المستقبل ".
وكان قد وصف وزير المجاهدين موريس أودان بـ "البطل والرجل العظيم وأحد رموز الثورة التحريرية المجيدة"، مشددا على أن التاريخ “سيحفظ له شجاعته والتزامه وإصراره وسيبقى اسمه محفورا في ذاكرة الشعب الجزائري."واستطرد قائلا بأن موريس أودان كان"المناضل الشريف الذي آمن بالجزائر وبحق الإنسان في الحرية"، وهو من "أكبر المناهضين للاستعمار" .