تتواصل بمسجد الوفاء بحي العقيد لطفي -وهران- فعاليات الطبعة الثامنة من خيمة مجالس الذكر و التذكير تحت اشراف والي ولاية وهران سمير شيباني بالتنسيق مع مديرية الشؤون الدينية و الأوقاف، طبعة هذه السنة أختير لها موضوع : "الوعي و دور النخب في تماسك المجتمع –المسؤوليات و التحديات-" ، و هو عنوان مميز ، يناقش من خلاله الأساتذة و الأئمة الدور الذي تؤديه نخبة المجتمع الممثلة في الإمام وتاُثيره الروحي و وبحضوره العلمي.
الندوة الثالثة من المجالس والتي أقيمت أول أمس نشطها إمام المسجد الشيخ فلاح محمد، شهدت حضور مدير الشؤون الدينية لولاية وهران قداري لخضر و جمع من ساكنة حي العقيد لطفي، إستمع فيها الحضور لمداخلتين قيمتين الأولى من تقديم : الأستاذ الدكتور غريش الصادق رئيس قسم العلوم الإسلامية بجامعة وهران تحت عنوان "دور مؤسستي المسجد و الجامعة في تحقيق المناعة الثقافية لدى الشباب"، و الثانية قدمها الدكتور المستاري جيلالي باحث بمركز البحث العلمي و التقني في (CRASC)، علم الإنسان الاجتماعي والثقافي
الدكتور غريش تطرق في مداخلته إلى تأثر الشباب بالنخب الأجنبية سواءً منها الغربية أو الشرقية فأما تأثره بالغرب انحصر على العادات التي لا تمت إلى قيمنا بصلة، و لم يستلهم من علومه و تحكمه في التكنولوجيا و في التقنية بصفة شاملة ، و أما تأثره بالنخب المشرقية فقد عزى الأمر إلى انعدام الثقة في النخب الوطنية من أئمة و مشايخ و دعاة و إلى الشعور بالنقص ، ما يجعله يبحث عن الفتوى في الخارج، يضيف الأستاذ أن بعض المسائل التي يبحث عنها الشاب في الخارج سواءً من خلال الفضائيات أو التواصل مع من يتأثر بهم من الأئمة في المشرق لو سأل عنها إمام حيه لوجد عنده الجواب الشافي، كما أشار الدكتور الصادق إلى أن خطورة البحث عن الفتوى في المشرق بزعم إستصفاء الدين الحق عن وهم قد ينجر عنها جلب ثقافة المشارقة الغريبة عن مجتمعنا كعاداتهم وخصوصياتهم الثقافية ، دون مراعاة خصوصية مجتمعنا الغنية و المتجذرة و الضاربة في أعماق التاريخ ، ويقول الأستاذ بأن المسؤول الأول عن توجيه الشباب و دفعه نحو التحصن وإكتسابه للمناعة الثقافية هي الأسرة باعتبارها النواة الأساسية في المجتمع ثم يأتي بعدها المسجد الذي يلعب دورا مهما في بناء القيم و ترسيخها خاصة ببيئته التي تشكلها كاريزما الإمام وسَمْتِهِ و حضوره في المجتمع علميا و أخلاقيا بالإضافة إلى روحانية المسجد بما يتلى فيه من الذكر الحكيم و الدروس و المواعظ ، ثم يأتي دور الجامعة و مايعقد فيها من محاضرات و ندوات و ملتقيات مما يكسب الطالب زخما معرفيا يحصنه و يغنيه عن الثقافة الأجنيبة، خاصة إذا كان الشاب الطالب قد تكون في المسجد وتشبع بالقيم الروحية ، كما يضيف الدكتور أنه لا يمكن أن نفصل المسجد عن الجامعة فكل منهما يكمل دور الآخر في تكوين الشباب و تحصينه.
أما الدكتور المستاري فقد تناول من خلال مداخلته إلى ما تقدمه العلوم الاجتماعية من خدمة في سبيل القيام بدراسات تحليلية تفضي إلى إستنتاج تصور شامل لموقف شباب مجتمعنا تجاه النخب و المرجعيات الدينية في وطننا، الأستاذ جيلالي قدم قراءة في دراسة إجتماعية ميدانية أُجريت قبل خمس سنوات على عينة فاقت خمسة آلاف مبحوث من مدينتي وهران و غرداية ، خلُص من خلالها إلى أن الشاب لازال يثق في إمام حيه في بحثه عن الفتوى في مسألة ما، و هوما يعتبره الأستاذ أمرا مهما، إلا أن هذا لا يخفي توجه الكثيرين إلى البحث عن الفتوى في مواقع الأنترنت و في الفضائيات ، وأشار الدكتور المستاري بأن 64 بالمئة من العينة المبجوثة أجابت ب : "لاأدري أو لا أثق" و هو ما اعتبره بالأمر الخطير، كما أشار الأستاذ إلى تأثير الحركة الإصلاحية في الجزائرسنوات الثلاثينات من القرن الماضي على صناعة التحول المعرفي خاصة في شرق الجزائر مقارنة بالطرق الصوفية السائدة آنذاك، وأثار الدكتور نقطة مهمة و هي ضرورة تكوين الأئمة غير التكوين المعرفي ، والإعتناء بهم وإعطائهم مكانة معتبرة في المجتمع حتى يضطلعوا بدورهم على أكمل وجه، وختم الأستاذ المستاري مداخلته معتبرا المرجعية الدينية الوطنية هي مشروع للوحدة الجامعة التي تحتضن مختلف التيارات دون إقصاء.
