رسالة رئيس الجمهوريّة، السّيّد عبد المجيد تبّون بِمُناسبة إحياء الذّكرى (63) لعيد النّصر ﴿ 19 مارس ﴾
بسم الله الرحمن الرحيم والصّلاةُ والسّلامُ على أشرف المرسلين،
أيّتُها المُواطِناتُ، أيُّها المُواطِنُونَ،
نَحْتَفِي بِعِيدِ النَّصْرِ في التَّاسِعِ عَشَرَ (19) مارس، الَّذي يُخَلِّدُهُ تَاريخُ الجزائرِ المَجِيدُ يَوْمًا مُتَوِّجًا لِنِضَالِ عُقُودٍ طَويلَةٍ تَحْتَ رَايَةِ الحَرَكَةِ الوَطَنِيَّةِ، وَلِحَرْبِ التَّحْرِيرِ الَّتي خَاضَهَا الشَّعْبُ الجَزَائريُّ لأزْيَدِ مِنْ سَبْعِ سَنَوَاتٍ، بَعْدَ أنْ تَرَسَّخَتْ في وَعْيِّهِ حَتْمِيَّةُ الكِفَاحِ المُسَلَّحِ الَّذي أَطْلَقَ شَرَارَتَهُ جِيلٌ مِنَ الوَطَنِيّين، كَانَتْ قَدْ صَقَلَتْهُم مَسِيرَةٌ شَاقَّةٌ وَمَرِيرَةٌ على طَرِيقِ إذْكاءِ الوَعيِ في خَلايَا الإعْدَادِ لِيَوْمٍ مَوْعُودٍ آتٍ، حِينَمَا اسْتَقَرَّ أمْرُهُم على إطْلَاقِ بَيَانِ أوَّل نُوفمبرَ المُزَلْزِلِ لِلْمُسْتَوْطِنِينَ المُعْتَدِينَ وَالمُبَشِّرِ بِثَوْرَةِ التَّحرِيرِالمُلْهِمَةِ في الفَاتِحِ نوفمبرَ1954 .. وَلَقَد كَانَتْ - بِحَقٍّ - إحْدَى أكْبَرِ وَأعْظَمِ الثَّوَرَاتِ ضِدَّ الاسْتِعْمَارِ .. وَإحْدَى أصْدَقِ وَأجَلِّ مَلاحِمِ كِفَاحِ الشُّعُوبِ ضِدَّ الطُّغْيَانِ وَالهَيْمَنَةِ في العَصْرِ الحَدِيثِ، وَسَتَبْقَى مِثَالًا شَاهِدًا على تَمَسُّكِ الشَّعْبِ الجزائريِّ بِالحُرِيَّةِ، وَمُعَبِّرًا عَنْ عِزَّةِ وَكَرَامَة الشُّعُوب ..
إنَّ عِيدَ النَّصْرِ الَّذي نَحْتَفِي بِهِ بِاعْتِزَازٍ وَوَفَاءٍ هُوَ ثَمْرَةُ الدِّمَاءِ الزكيّة الَّتي سَقَتْ أرْضَنَا الطَّاهِرَةَ .. وَالتَّضْحِيَاتِ الألِيمَةِ القَاسِيَةِ الَّتي تَحَمَّلَهَا الشَّعْبُ الجزائريُّ بِشَجَاعَةٍ وَإيمَانٍ وَصَبْرٍ .. لِيَعِيشَ في وَطَنِهِ حُرًّا كَرِيمًا .. وَكَمَا كَانَ الشُّهَدَاءُ أسْخِيَاءَ بِلا حُدُودْ تُجَاهَ الوَطَنِ .. وَأصْحَابَ هِمَمٍ وَكِبْرِيَاءٍ في نُكْرَانِ الذَّاتِ وَحُبِّ الوَطَن .. فَإنَّ الجزائريّاتِ وَالجزائريّينَ الَّذين وَرِثُوا هَذَا المَجْدَ .. وَحَافَظُوا عَلَيْهِ، يَبْنُونَ اليَوْم بَلَدَهُم بِنَفْسِ الرُّوحِ وَالعَزِيمَةِ .. وَبِذَاتِ المَبَادِئِ وَالقِيَمِ، لا يُسَاوِمُونَ بِهَا وَلا يُتَاجِرُونَ على حِسَابِهَا، تَحْدُوهُم إرَادَةُ البِنَاءِ وَالإعْمَارِ.. وَإرْسَاءُ أُسُسِ الدَّوْلَةِ الحَدِيثَةِ، بِتَكْرِيسِ سِيَاسَةٍ اقتصاديَّةٍ مُسْتَقْطِبةٍ للاستثماراتِ وَالثّروةِ .. وَبِمَا يُنْجَزُ فِيهَا مِنْ بُنًى تَحْتِيَّةٍ بَاعِثَةٍ لِحَرَكِيَّةِ التَّنْمِيَّةِ .. وَمَا يَتَحَقَّقُ لِشَبَابِهَا مِنْ إنْجَازَاتٍ وَنَجَاحَاتٍ مِنْ خِلالِ التَّجَارِبِ الرَّائِدَةِ في مَجَالِ الاسْتِثْمَار، ضِمْنَ اسْتراتِيجِيَّةٍ قَائِمَةٍ على تَثْمِينِ المُقَدَّرَاتِ الوَطنيَّةِ وَتَسْخِيرِهَا لِلْتَّنْمِيَّة المُسْتَدَامَةِ، وَلِلْتَّرْقِيَة الاجتماعِيَّةِ المُسْتَمِرَّةِ لِضَمَانِ عَيْشٍ كَريمٍ لِكُلِّ المُوَاطِنَاتِ وَالمُوَاطِنِينَ، في مَرْحَلَةٍ تُوَاصِلُ فِيهَا الدَّوْلَةُ حَشْدَ الطَّاقَاتِ لِتَأمِينِ المَصَالِحِ الوَطنِيَّةِ العُليَا لِلْبِلَادِ .. وَتَقْوِيَةِ الجَبْهَةِ الدَّاخِلِيَّةِ بِوَعْيٍّ وَطَنِيٍّ هُوَ مَدْعَاةٌ لِفَخْر الجزائريّاتِ وَالجزائريّينَ، وَبِإرَادَةٍ سِيَاسِيَّةٍ مُسْتَشْرِفَةٍ، يَقِظَةٍ تُجَاهَ تَعْقِيدَاتِ الأوْضَاعِ في المَنْطِقَةِ وَتَدَاعِيَاتِهَا المُحْتَمَلَةِ، وَسَاهِرَةٍ في الظُّرُوفِ الرَّاهِنَةِ على مُوَاكَبَةِ التَّحَوُّلاتِ الَّتي تَشْهَدُها العَلاقاتُ الدَّوْلِيَّةُ بِمَا تَقْتَضِيهِ مَكانَةُ الجزائرِ وَدَوْرُها وَثِقَلُهَا الجيُواستراتيجيّ .. وَيَنْسَجِمُ مع مُثُلِ وَمَبَادِئِ ثَوْرَةِ التَّحْرِيرِ العَظِيمَة.
وَبِهَذَا التَّوَجُّهِ الوَطنيِّ الأصِيلِ، فَإنَّنَا نَحْتَفِي اليَوْمَ بِعِيدِ النَّصْرِ في الجزائرِ المُنْتَصِرَةِ، بِكُلِّ وَفَاءٍ لِلْشُّهَدَاءِ الأبْرَار، وَبِكُلِّ إخْلاصٍ لِثِقَةِ الشَّعْبِ الجزائِريِّ العَظِيمِ، وَبِكُلِّ صِدْقٍ في خِدْمَةِ وَطَنِنَا المُفَدَّى.
أتَرَحَّمُ في هَذِهِ المُنَاسَبَةِ على أرْوَاحِ الشُّهَدَاءِ الأبْرَارِ .. وَأُحَيِّي أخَوَاتِي المُجَاهِدَاتِ وَإخْوَاني المُجاهِدِينَ أطالَ اللهُ في أعْمَارِهِم .. دَاعِيًا الله تعالى وَنَحْنُ في شَهْرِ رَمَضَان المُبَارَك أنْ يَتَقَبَّلَ صِيَامَكُم وَقِيَامَكُم.
" تَحيَا الجَزائِر "
المَجْد والخُلودُ لِشُهَدَائِنَا الأبرَار
وَالسَّلامُ عَليكُم ورَحمَةُ اللهِ تَعالى وَبَرَكَاتُه.
