المجاهدة حجال عيدة أرملة بن أحمد بودين تستذكر مناقب زوجها الشهيد بدون قبر

المجاهدة حجال عيدة أرملة بن أحمد بودين تستذكر مناقب زوجها الشهيد بدون قبر
الذاكرة
عندما تستمع الى الشهادات الحية من أفواه صانعي التاريخ، فالأمر له نكهة أخرى يتعلق بتاريخ أجدادنا وآبائنا الذين ضحوا من أجل تحرير الجزائر، فها هي ستون سنة تمر على استقلال الجزائر، ومازالت مرارة الاستعمار والتعذيب والتقتيل مختزنة في الذاكرة التاريخية. كانت لحظات هامة ونحن نستمع لقصة المجاهدة حجال عيدة صاحبة 96 عاما، ومرارة ما عايشته أثناء الثورة التحريرية و رؤيتها لمشاهد القتل والتعذيب و الإهانة من قبل المستعمر الفرنسي و ما زاد تأثرها ما قام به الخونة، كان أكثر فظاعة من المستعمر نفسه . والحاجة عيدة بنت عبد القادر هي من مواليد 1926 بسيدي علي بمستغانم ، تقول عن زواجها : " لقد تزوجت من بودين بن أحمد و هو من مواليد 1918 بتكورت تازقيت ولاية مستغانم وهو ابن محمد و كسراوي حليمة، تزوجت منه عام 1946 وأنجبت منه 4 أولاد وبنت، لقد درس بن أحمد رحمه الله بالمدارس القرآنية ، وكان يعمل في الفلاحة، عندما بلغ سن التجنيد، أخذوه إجباريا للجيش الفرنسي ثم بعد انتهاءه من فترة التجنيد، عاد إلى بيته وإلى العمل في الفلاحة، وعندما اندلعت الحرب العالمية الثانية تم استدعائه من جديد والتحق إجباريا بالجيش الفرنسي وشارك في الحرب العالمية الثانية من(1939 ـ 1945)، ثم بدأ ينشط في المجال السياسي لتحرير الجزائر رفقة أصدقائه من الشرق والغرب الجزائري، وبعد عودته إلى الجزائر كان يلتقي بإخوانه من أجل مناقشة أمر تحرير وطنهم الجزائر من يد المستعمر الفرنسي خاصة بعدما خلفت فرنسا وعدها في 8 ماي 1945 و قامت بمجازر خراطة وسطيف وقالمة، وسقط العديد من الجزائريين في حرب لا شأن لهم بها فقط من أجل تحقيق حلم تحرير الجزائر، لكن كانت مجرد وعود كاذبة." وضعت فرنسا قاعدة عسكرية في النقمرية حماية لأراضي الكولون لتضيف في شهادتها عن زوجها الشهيد وما عايشته أثناء المجازر الرهيبة التي قام بها العسكر الفرنسي في دوار تكورت بمستغانم : " لقد كان زوجي الشهيد بن أحمد يتمتع بخبرة عسكرية و خبرة سياسية، في المنطقة التي كنا نعيش بها، بدأ النضال مع تجنيد أخواه الاثنين ثم أبناء عمومته وعرش قبيلته تم توسعت الحركة ومست منطقة تازقايت، النقمرية وكل النواحي بمستغانم، وحين بدأت شرارة انطلاق ثورة تحريرية المباركة، قام بمعية إخوانه بأول عملية كبرى تمثلت في إحراق 45 مزرعة خاصة بالمعمرين وقتل المواشي وتخريب الأشجار، شملت كل منطقة الساحل الذي كان يعيش فيه الكولون، وتمت هذه العملية في سنة 1954، وهزت عرش فرنسا، وجاء ردها قويا، فلقد وضعت قاعدة عسكرية في النقمرية ردا على هذا الهجوم الذي وقع من أجل أن تتحكم في المنطقة وقامت بهجوم على أهل المنطقة من الجزائريين، فهربوا العائلات نحو الغابة وتشردوا خوفا من غطرسة العسكر الفرنسي ." قبض على منفذي حرق المزارع عن طريق أثار أرجلهم أثناء حديث الحاجة عيدة تدخل ابنها السيد الحاج محمد بودين في الحديث قائلا :"لقد تم استدعاء عمي العربي رحمه الله وكان قد شارك في هذه العملية ومن أجل الوصول إلى دليل من قام بهذه العملية التي تمت في ساعة متأخرة من الليل، فإن المجاهدين من أبناء عمومتنا وجيراننا تركوا أثارا لأقدامهم ولم ينتبهوا لها فوجدها الكولون، وسقط عمي في الفخ عندما استدعوه للعمل وطلبوا منه أن يضع قدمه على الآثر لمقارنته بصندله البلاستيكي، فألقي القبض عليه و صاحبه عمي لخضر وأبي وأولاد عيسى الأربعة وعلى حوالي 50 فردا، وتركوا فقط النساء والأطفال في"الدوار" وتم أخذهم جميعا الى السجن " بوسكي"، وكان هناك مزرعة" الكومندار" تابعة للمكتب الثاني وهناك تم تعذيبهم جميعا، فعمي العربي أخذوه فيما بعد الى مستغانم وتم تعذيبه عذاب لا يطاق حسب ما قاله لي في شهادته الحية ، وعمي لخضر رحمه الله استشهد بالضربة الأولى في 1954 أما والدي فبقي ثلاثة أشهر في مزرعة بوسكي (الحجاج حاليا) ثم أطلاق سراحه و10 أفراد آخرين من بينهم (ع.ع) الذي كان جنديا ثم جندته فرنسا للعمل لصالحها فأصبح خائن لعقيدته ووطنه و ساهم في تقتيل أبناء جلدته . نساء " الدوار " تم تعريتهم من قبل "الحركى" تعود المجاهدة الحاجة عيدة في الحديث عن تلك الذكريات التي عذبت فيها وأهينت كرمتها كامرأة حيث تقول: "كان مبرمجا لقاء بين الجنود الذين ينشطون في تلك المنطقة و موضوع اللقاء كان تغيير أماكن نشاط الجنود والمجاهدين والفدائيين بحكم حتى لا يتم القبض عليهم أو يتعرضون للوشاية من قبل الخوانة وهذا بجعل جنود منطقة الشرق تأتي للمنطقة الغرب والعكس صحيح خاصة وأنهم أصبحوا مطلوبين من قبل فرنسا حتى لا تتعرف عليهم . في يوم من الأيام جاءت والدة الحركي الخائن (ع.ع ) الى بيتي ولم نكن نعرف أنه خائن بحكم انه كان مناضل و دخل السجن وعذب لكن الذي لم نكن نعرفه أنه جندته فرنسا لصالحها، وفي ذلك اليوم كنت أحضر رفقة بعض النسوة من ابناء العرش وليمة للمجاهدين الذين كانوا سيحضرون لهذا الاجتماع فسألتني ماذا تفعلون، فقلت لها :" بويا بوراس راها جاي"، وكان آنذاك هو قائد الناحية العسكرية للجيش التحرير، لم أكن أعرف أن هذه المعلومة ستكلفنا غاليا حيث خرجت أم الخائن (ع.ع) من البيت وعادت لمنزلها لتخبر ابنها بالخبر، فقام هذا الأخير بإخبار العسكر الفرنسي عن أبناء عمومته. كانت أكبر عملية قام بها الجيش الفرنسي فلقد حوّط المكان بعدد كبير من العسكر والعتاد لكن بحكم أن الحركي (ع.ع ) كان يعرف المنطقة مثل كف يده ويعلم بكل ما يفكر فيه زملائه، فهو من قام برسم خط الهجوم في ذلك اليوم وسقطت حقيقته أمام الجميع . في ذلك الوقت شاهد المكلفين بالحراسة أضواء بعيدة في عين المكان، فأخبروا قائد الناحية بالأمر فطمنهم أنها لا تشكل خطرا إلا إذا اقتربت منهم فعليهم إخلاء المكان حالا. لكن العسكر الفرنسي ترك الشاحنات العسكرية بعيدا وطوق المكان من خلال خطة المداهمة عن طريق سير العسكر للساعات ليلا متخفين من أجل الوصول إلى الدوار مع ساعة الفجرية، وعند وصول العسكر بدأ في اطلاق الرصاص على أهل "الدوار"، فقتل الكثير من السكان وهرب من هرب وقبض على البعض منهم. الشهيد بلحاج قطعت أرجله و حرق أمام الملأ بعد تعذيبه وبدأ طائرة الهليكوبتر تطلق في النار على الجنود الهاربين الى الغابة من بينهم الشهيد بلحاج الذي قطعت رجليه جراء القصف من قبل الحوامة وقبض عليه وأحضروه أمام أهل الدوار المقبوض عليهم جميعا وتلذذ في تعذيبه وهو جريح الخائن (ع.ع)، وقام بتقطيع لحمه من رجليه ووضعها بفمه أمام الملأ و اعترف أمام التعذيب الشديد انه كان يعرف أن زوجي و أولادي عمومتنا شاركت في عمليات ضد فرنسا وكانت حاصرة في الاجتماع لكن أمام اعترافاه، كذب أقواله زوجي بن أحمد و كل أفراد عمومته، ولم يستطع تحمل التعذيب، فمات من شدة جروحه البليغة وتقطيع لحمه، فأخذ (ع.ع) الحطب و رش عليه البنزين و أشعل النار فيه أمامنا، كان مشهدا رهيبا جدا يحمل حقدا كبيرا، ثم أخذوا زوجي وابن عمه الى سجن سيدي علي بالمكتب الثاني الذي كان يدعى "الكريال "ثم أخذوهم الى النقمرية ووضعوهم في حفرة تحت الأرض "المطامر"، كنا نأخذ لهم الأكل ونرميه من فوق الأسلاك الشائكة من بعيد ليصل اليهم. وكان قد التقي به زوج أمي رحمه الله في الحبس وتقرب منه وسأله: "هل أنت بن أحمد بودين"، فرد عليه بنعم لأن ملامحه كانت متغيرة من شدة الضرب والتعذيب وهذا حسب ما أخبرني به بعدما أطلق سراحه وبعد ذلك غادرت الدوار إلى بيت أمي رفقة أولادي فيما بعد و بعد يومين فقط تم قتل زوجي بن أحمد و إبن عمه و رجل أخر وتم دفنهم في سيدي علي بمكان لحد الآن لا نعرف عنه شيئا، وأصبحوا ضمن قائمة شهداء بدون قبر. ولم أسمع باستشهده إلا بعد مدة طويلة . عن سبب مغادرتها بيتها تقول الحاجة عيدة :"بعد أيام من التمشيط الذي مس الدوار، تمت عملية أخرى، فاقتحم العسكر الفرنسي المكان برفقة الحركي (ع.ع) ، وتم جمع كل نسوة الدوار وأطفال وقبض على 3 أفراد هم الأخوة أولاد النايب كانوا مختبئين في الغابة وعذبوهم أمامنا، و بدؤوا في سؤالنا عن أحد منهم، فقال أحدهم إنه جارنا لكن لا نعرف ماذا يعمل فقط أنه خماس عند الكولون، فإطلاق عليه الرصاص و قتلوه . ثم أخذ نساء الدوار جميعهم في إسطبل " الزريبة" وعند الباب طلب منا أن نتجرد من ملابسنا وندخل و بقين عُراة من غير ملابس و جاء الضابط الفرنسي وعندما دخوله علينا، وجد كل النسوة في هذا الشكل ، فرجع الى الخلف واستفسر من قام بهذا الأمر فقيل له (ع.ع)، فضربه بلكمة قوية على رأسه فسقطته أرضا وأعطى أمر بأن نرتدي ملابسنا . قبض على الخائن في واد الفراشيح بعد هذه الحادثة غادرت الحاجة عيدة بيتها و حقل زوجها الصغير الذي تم حرقه وحرق الدوار بكامله بعدما اطلق العسكر الرصاص والقنابل على الأهالي، فهربا كل السكان باتجاه الغابة، فحملت أبنائي و ذهبت عند بيت أبي أي زوج أمي في قرية بوشنيط قرب النقمرية و أولاد رياح .عشت فقرا مدقعا لم أجد لقمة الخبز لأولادي بعدما، و كان أبي خائفا جدا علينا، فلقد كان هو الآخر مجاهدا وينشط في منطقة بوهاني رفقة أولاد عيسى في جبال بوهاني بمنطقة التنس و متابعا من قبل فرنسا . يضيف الحاج محمد بودين ابن الشهيد قائلا : " جدي كان معروفا في تلك المنطقة و جاء خبر استشهد والدي وكان عمره 47 سنة، فقلد استشهد في سنة 1959 وكان عمري 3 سنوات فقط وبعد الاستقلال اتضح الأمر أكثر بأنه شهيد بدون قبر. وأيام قبل اعلان عن وقف اطلاق النار، هرب الحركي (ع.ع) بعدما أطلق عليه النار أحد الجنود فرمي بسترته و ظن الجميع أنه قتل ليكتشفوا أنه هرب، و اختبئ بواد الفراشيح وبعد مدة خرج من مخبأه، فطلب المساعدة من راعي بالجوار أن يحضر له الأكل والماء، ففعل بعدما أعلم الجنود بشأنه فقدم له الأكل وهجم عليه و ربطه بشاشة رأسه وحضر الجميع وقدموه لسكان الدوار الذي التفوا من حوله ، فقامت أخت الحاجة عيدة التي كانت متزوجة من عالم و قاضي في الجيش التحرير بسؤاله : "عبد القادر، هل جعت قال نعم، هل أحسست بالعطش قال نعم، هل ركبك القمل قال نعم، قالت له كيف تشعر وأنت قد قتلت أبناء عمومتك و نكلت بهم ". وفي ذلك الوقت كان قد جاء أمر بوقف إطلاق النار في 19 مارس 1962، فأُخذ الى ثكنة تابعة لجيش التحرير الوطني و حكم عليه بتسديد غرامة لأن القتل قد توقف، فباع كل ممتلكاته من أجل أن ينجو بنفسه و بعد سنوات ذهب للحج وأصبح كل أولاده في مناصب هامة لكن أتسأل هل ضميره مرتاح و قد تسبب بمقتل المئات من الشهداء من رجال و نساء وأطفال لكن يبقى القصاص عند الله يقولها ابت الشهيد بودين والدموع تنهمر من عيونه.

يرجى كتابة : تعليقك