عاد الشهر الفضيل الذي سيحل علينا بعد بضعة أيام، وبعودته تبدأ التحضيرات الحثيثة، التي تعوّدنا عليها منذ الصغر، فمن الأسر من تقوم بإعادة طلاء منازلها، ومنها من تشتري ولو آنية واحدة جديدة، "فأل" خير، تبركا بقدوم ضيف عزيز يزورها مرة في العام، ودأبنا أيضا على أمهاتنا وهنّ يحضرن له بشراء التوابل، وتجفيفها تحت أشعة الشمس، لرحيها لاحقا فتكون خير معطر لأطباق رمضان...
هي إذن عادات وتقاليد جميلة أضيفت لها أخرى في السنوات الأخيرة، وهي شراء الفوانيس وإهدائها لأفراد العائلة، لكنها عادة دخيلة على مجتمعنا الجزائري وحتى في المغرب العربي، لأنها مستوردة من بلدان المشرق العربي وعلى الأخص مصر الشقيقة، ومع ذلك نستحبها ونرحب بها... لكن من الأمور غير المستحبة التي أصبحنا نشاهدها في السنوات الأخيرة، وعلى الأخص هذا العام، تلك "اللهفة" غير المبررة على اقتناء السلع المختلفة، خاصة ذات الاستهلاك الواسع، من دلاء الزيت، والدقيق بكل أنواعه خاصة النوعية الرفيعة والغليظة لإستخدامها في العجن وصنع "الشامية" و"مقروض" العيد، وكذا الحليب المجفف، والسكر وغيرها...، حيث تجد المواطن في جري مضن بين الأسواق للحصول على أكبر كمية لتخزينها، في الوقت الذي تؤكد فيه وزارة التجارة أن تموين السوق سيكون تلقائيا، وبأنها تضمن توفر هذه السلع يوميا، لكن للأسف الشديد فمثل هذه السلوكات المشينة ستحدث ندرتها بسبب كثرة التخزين.
فالمواطن الذي يشتري أكثر من دلوي زيت ليخزنهم، عليه أن يفكّر في غيره الذي لا يستطيع تخزين حتى قارورة لترين، بسبب وضعه المادي الذي يحتم عليه الشراء كلما سمحت له أوضاعه المادية بذلك، وأن يفكر أيضا في عدم تفريغ السوق من البضاعة، فبتخزينه لها يكون قد حرم غيره منها.
فشهر رمضان الذي نتزوّد له بالمؤونة، هو في حقيقة الأمر فرصة للعبادة وتذكّر ما بين العبد وربه، وليس ما يطبخه لملء بطنه، والتدبر في هذا الكون وتعاقب الشهور والفصول، وتذكر من صاموا معنا السنة الماضية وفارقونا هذا العام، شهر ينبغي أن نكثر فيه من الطاعات بعيدا عن الماديات، واللهفة على أمور الدنيا، لنغنم المبتغى والحكمة من الصيام، ومن زيارة الشهر الفضيل.
